Home > Author > عبد الله العروي >

" يقول المستشرقون إن الإسلام ثيوقراطي، هل لقولهم معنى؟ إذا رجعنا إلى المضمون اللغوي لكلمة ثيوقراطي، فالقول صحيح لأن الحكم في الإسلام فعلا بيد الله. غير أن المستشرقين يعنون بالإسلام الدولة القائمة ويقولون إن تلك الدولة كانت في غضون التاريخ ثيوقراطية. وهذا واضح البطلان لأن السلطنة تعني من البداية حكم السلطان وحده حسب نزوات إرادته. قد تكون ثيوقراطية بمعنى أنها استعملت الشريعة لتثبيت حكمها وهذا واقع، كما يعترف به جميع الفقهاء والمؤرخين، لكن لا يجب أن تلصق هذه الصفة بالإسلام كعقيدة. إن الدولة التي يكون فيها الحاكم خليفة الله في أرضه دولة آسيوية. دولة داريوش والإسكندر ونيرون، لا دولة محمد، لأن الدعوة الإسلامية (أي مقاصد الشريعة) غريبة فيها ومهجورة، ولا نجد بين المؤلفين المسلمين من يقول عكس هذا. يجوز للمستشرقين أن يقولوا إن الإسلام كعقيدة لم يغير شيئا في الدولة الآسيوية الثيوقراطية، لكن لا يجوز أن يقولوا إن الدولة كانت ثيوقراطية بسبب الإسلام، مع المعنى الدقيق الذي يعطونه لكلمة ثيوقراطية. كما يمكن لهم أن يقولوا أن الإسلام يهدف إلى أن تكون الكلمة العليا، في الدولة والمجتمع، لله. لكن عليهم أن يوضحوا أن هذا الحلم لم يتحقق في أغلب فترات التاريخ الإسلامي. فلا يجوز أن يوهموا القاريء أن الدولة الواقعية كانت فعلا خاضعة لحكم الله لأنها كانت في الحقيقة كل شيء سوى ذلك. نلاحظ هنا، كما في سائر المجالات المتعلقة بالإسلام، خلطا بين النظرية والتطبيق. "

عبد الله العروي , مفهوم الدولة


Image for Quotes

عبد الله العروي quote : يقول المستشرقون إن الإسلام ثيوقراطي، هل لقولهم معنى؟ إذا رجعنا إلى المضمون اللغوي لكلمة ثيوقراطي، فالقول صحيح لأن الحكم في الإسلام فعلا بيد الله. غير أن المستشرقين يعنون بالإسلام الدولة القائمة ويقولون إن تلك الدولة كانت في غضون التاريخ ثيوقراطية. وهذا واضح البطلان لأن السلطنة تعني من البداية حكم السلطان وحده حسب نزوات إرادته. قد تكون ثيوقراطية بمعنى أنها استعملت الشريعة لتثبيت حكمها وهذا واقع، كما يعترف به جميع الفقهاء والمؤرخين، لكن لا يجب أن تلصق هذه الصفة بالإسلام كعقيدة. إن الدولة التي يكون فيها الحاكم خليفة الله في أرضه دولة آسيوية. دولة داريوش والإسكندر ونيرون، لا دولة محمد، لأن الدعوة الإسلامية (أي مقاصد الشريعة) غريبة فيها ومهجورة، ولا نجد بين المؤلفين المسلمين من يقول عكس هذا. يجوز للمستشرقين أن يقولوا إن الإسلام كعقيدة لم يغير شيئا في الدولة الآسيوية الثيوقراطية، لكن لا يجوز أن يقولوا إن الدولة كانت ثيوقراطية بسبب الإسلام، مع المعنى الدقيق الذي يعطونه لكلمة ثيوقراطية. كما يمكن لهم أن يقولوا أن الإسلام يهدف إلى أن تكون الكلمة العليا، في الدولة والمجتمع، لله. لكن عليهم أن يوضحوا أن هذا الحلم لم يتحقق في أغلب فترات التاريخ الإسلامي. فلا يجوز أن يوهموا القاريء أن الدولة الواقعية كانت فعلا خاضعة لحكم الله لأنها كانت في الحقيقة كل شيء سوى ذلك. نلاحظ هنا، كما في سائر المجالات المتعلقة بالإسلام، خلطا بين النظرية والتطبيق.