Home > Author > عبد الله العروي >

" يرى أشرافُ قومه أنه وحداني المزاج، شاذ السلوك، موهوب، لا شك في ذلك، لكنه مرهف الإحساس، قاسي العبارة، محدود الخبرة. يثيم، فيعوض عن أبيه المفقود بجدّ روحي بعيد. أمّي لا يكاد يقرأ أو يكتب، فيدعو للاقتداء به سادةً محنكين.
هذا ما يقوله في مجالسهم أسيادُ مكة. هم راضون على حالهم، معتزّون بإنجازاتهم، غير ميّالين إلى محاسبة الذات. فلا يفهمون ما يدعوهم إليه من التأمل في عجائب الخلق. هذا الكلام المكرر عن الآيات والإشارات والدلائل، هذا الافتتان بنظام الطبيعة وتناسق مناظرها، هذا الاندهاش أمام أسرار الكون، كل ذلك يبدو لهم من لغو الصبيان والعجائز.
يجهد النبي لإقناع هؤلاء "العقلاء" أن للكون خالقا ظنا منه أنهم عندها يُلزمون بقبول فكرة الحساب. إن كان الله هو الخالق والمخلوق هو الإنسان. فللأول دينٌ على الثاني. إن كفر المخلوق فلا بد للخالق أن يحاسبه على كفره، إن لم نقل يعاقبه أو ينتقم منه. غير أن القوم ينكرون وبعناد فكرة الحساب. وعندها يرفضون، وإن على مضض، فكرة الخلق. المانع لديهم هو الحساب لا الخلق. "

عبد الله العروي , السنة والإصلاح


Image for Quotes

عبد الله العروي quote : يرى أشرافُ قومه أنه وحداني المزاج، شاذ السلوك، موهوب، لا شك في ذلك، لكنه مرهف الإحساس، قاسي العبارة، محدود الخبرة. يثيم، فيعوض عن أبيه المفقود بجدّ روحي بعيد. أمّي لا يكاد يقرأ أو يكتب، فيدعو للاقتداء به سادةً محنكين. <br />هذا ما يقوله في مجالسهم أسيادُ مكة. هم راضون على حالهم، معتزّون بإنجازاتهم، غير ميّالين إلى محاسبة الذات. فلا يفهمون ما يدعوهم إليه من التأمل في عجائب الخلق. هذا الكلام المكرر عن الآيات والإشارات والدلائل، هذا الافتتان بنظام الطبيعة وتناسق مناظرها، هذا الاندهاش أمام أسرار الكون، كل ذلك يبدو لهم من لغو الصبيان والعجائز. <br />يجهد النبي لإقناع هؤلاء