Home > Author > محمود محمد شاكر

محمود محمد شاكر QUOTES

45 " فمن معسكر الصراع بين الحضارة الغازية وبين الحضارة الإسلامية أو بقاياها يومئذ .. ظهرت كلمة "السلفيين" مقرونة بتبغيضها إلى العامة، وتصويرها في صورة منكرة تكرهها النفوس لأنها تشق عليها، ثم بدأت الكلمة تدخل في محيط الصراع الاجتماعي فمن أول ما أذكر من ذلك أن التخلف الكريه المسمى "سلامة موسى" صنيعة المبشر "ويلككس" كان أكثر الناس استعمالا للفظ "السلفيين" للدلالة على التأخر والتشدد والتخلف، في مقابل الدعوة التي أرسلها يغوي بها من اصطنعوه .. أي بعد دخول ثورة سنة 1919 في انهيارها وانفصالها عن حقيقة الشعب الذي أشعل نارها.

ولكن هذه اللفظة - "السلفية" - كانت شديدة على الألسنة، لا تلين بها كل اللين، فبعد قليل - ولا أدري كيف كان ذلك، لأن الأمر يعتمد على التتبع التاريخي للعبارات يوما يوما، وشهرا شهرا، كما أرى - بعد قليل رأينا لفظ "الرجعيين" يحل محل السلفيين فجأة، وهو لفظ سهل على لسان العامة وغير العامة، وإذا بنا نراه مستعملا على ألسنة ضرب من الكتاب أمثال التالف الغبي "سلامة موسى" من صبيان التبشير، وسفهائه الذين يسافهون عنه وعلى ألسنة أصحاب الصحف من نصارى لبنان المقيمين في مصر، والمسئولين على صحافتها يومئذ، ثم لم نلبث إلا قليلا حتى رأينا هذا اللفظ ينتقل للدلالة على الحياة الإسلامية كلها، واشتق له مصدر هو "الرجعية" يستعمله الكتاب إذا أرادوا التورية عن "الإسلام" تهربا من أن تنالهم تهمة الطعن في دين الدولة

واستشرى الأمر زمانا طويلا، فصار كل من أنكر شيئا على هذه الحضارة الأوروبية المسيحية الوثنية، المقترنة بالغزو العسكري والغزو السياسي لبلادنا من أخلاق أو فكر، أو عادة، أو طريقة للحياة "كما يقول توبنبي" صار ينبذ بأنه "رجعي" وظل هذا هو معنى "رجعي" إلى نحو من سنة 1943، حين بدأت الحركة الشيوعية في الظهور، فاستخدمت اللفظ على الأنظمة التي كانت تقاومها، لما فيها من الفساد والتعفن، وإن كان اللفظ عندهم أيضا دالا على مثل ما كان يدل عليه أعوان الاستعمار والتبشير بالحضارة المسيحية الوثنية الغربية "

محمود محمد شاكر , أباطيل وأسمار

46 " وأخطر هذه الألسنة التي تستفزُّ هذا العالم، هي الألسنة التي اتخذت كلمة الإسلام لغوًا على عذباتها...
....وأخطر هذه الألسنة التي تستفزُّ هذا العالم، هي الألسنة التي اتخذت كلمة الإسلام لغوًا على عذباتها -أي أطراف الألسنة-، لا لأنَّها أعظم شأنًا وأعزُّ سلطانًا من الألسنة الأخرى، ألسنة المموِّهين باسم الحرية، واسم العلم، واسم الفنِّ، واسم الأخلاق، بل لأنَّها تعمد إلى كتاب أنزله الله بلاغًا للناس، وحكمة أوحيت إلى رسوله لتكون نبراسًا للمهتدين، فتحيلهما إلى معان من أهواء النفوس، التي لا تعرف الحقَّ إلا في إطار من ضلالاتها وأوهامها....
ثم يتبعهم التابعون الجاهلون اتباعًا، هو سمعٌ وطاعة، لكن لغير الله ورسوله، بل للزُّور المدلَّس على كتاب الله وسنة رسوله. وإذا هؤلاء المتبعون يعدُّون هذه الضلالة دينًا، ويظنُّون هذا الدين الجديد إحياء للإسلام. وإذا هم يأخذون دينهم من حيث نهوا أن يأخذوا.... يأخذونه عن مبتدع في الدين برأيه، محيل لنصوصه بفساد نشأته، مبدِّل لكلماته بهوى في نفسه، محرِّف للكلم عن مواضعه بما يشتهي وما يحبُّ، مختلس لعواطف الناس بما فيه من حبِّ اتباعهم له، خادع لعقولهم برفعة الإسلام، ومجد الإسلام، وهو لا يبغي الرفعة ولا المجد إلا لنفسه. "

محمود محمد شاكر , جمهرة مقالات الأستاذ محمود محمد شاكر - الجزء الأول

59 " فاللغة الفصحى التي ذكرها "توينبي" ، و بين أنها هى الرباط الوثيق الذي يمنع العالم العربي من التفكك ، إذا أراد مريد أن يُدخِلها في معركة مع اللغة العامية التي تؤدي إلى التفكك ، كما تنبه إليه "توينبي" أيضاً ، فإن هذه المعركة لا يمكن أن تُعد معركة أدبية مجردة من العوامل السياسية و الدينية ، الخفية و الظاهرة. و كل من يريد أن يدس هذه الحقيقة في ضباب من الغموض ، و من الألفاظ المبهمة ، و من المغالطات ، فإنه امرؤ مريب يكتم أمراً يرمي إليه ، لآفة ينطوي عليها. أما الدعاه إلى ذلك ، كصبيان المبشرين أمثال التالف الغبي سلامة موسى ، و لويس عوض ، فهؤلاء قد تجردوا لهذه الحرب السياسية التي اتخذت الدعوة إلى العامية سلاحاً يُراد به تفتيت قوة متجمعة كانت ، أو تفتيت قوة هى في طريقها إلى التجمع. و كل الذين يغفلون عن هذه المعارك ، و يعدونها معارك أدبية (!!) أى معارك ألفاظ ، أنما يخاطرون بمستقبل أمم ، قد ائتمنوا عليها. "

محمود محمد شاكر , أباطيل وأسمار