Home > Author > فخر الدين الرازي

فخر الدين الرازي QUOTES

4 " و لقد أختبرت الطرق الكلامية، و المناهج الفلسفية، فما رأيت فائدة تساوى الفائدة التى وجدتها فى القرآن العظيم، لأنه يسعى فى تسليم العظمة و الجلال بالكلية لله تعالى، و يمنع عن التعمق فى إيراد المعارضات و المناقضات. و ما ذاك إلا العلم بأن العقول البشرية تتلاشى و تضمحل فى تلك المضايق العميقة، و المناهج الخفية فلهذا أقول، كلما ثبت بالدلائل الظاهرة من وجوب وجوده و وحدته وبرائته عن الشركاء فى القدم و الأزلية، و التدبير و الفعالية، فذاك هو الذى أقول به و ألقى الله تعالى به. و أما ما انتهى الأمر فيه إلىّ بالدقة و الغموض، فكل ما ورد فى القرآن و الأخبار الصحيحة المتفق عليها بين الأئمة المتبعين للمعنى الواحد، فهو كما هو. و الذى لم يكن كذلك أقول: يا إله العالمين إنى أرى الخلق مطبقين على أنك أكرم الأكرمين و أرحم الراحمين، فلك ما مر به قلمى أو خطر ببالى فأستشهد علمك. و أقول: إن علمت منى أنى أردت به تحقيق باطل أو إبطال حق فافعل بى ما أنا أهله، و إن علمت أنى سعيت إلا فى تقرير ما أعتقدت أنه هو الحق، و تصورت أنه الصدق، فلتكن رحمتك مع قصدى لا مع حاصلى. فذاك جهد المقل "

فخر الدين الرازي , عصمة الأنبياء

13 " الأول : مامعنى قول الحسين بن منصور : ( أنا الحق )
الجواب : أما القول بلاتحاد فظاهر البطلان لأنه إذا اتحد شيئان فإن بقيا فهما اثنان، وإن فنيا كان الثالث شيئا آخر، وإن بقي أحدهما وفني الآخر امتنع الاتحاد لأن الموجود لايكون نفس المعدوم.
فبقي أن يطلب لكلام هذا الرجل - أي الحلاج- تأويل هو من وجوه :
الأول :
أننا بينا بالبرهانِ النيّر أن الموجود هو الحق سبحانه وأن كل ماسواه فهو باطل، فهذا رَحَلَ ماسوى الحق عن نظره، وفنيت نفسه أيضا عن نظره، ولم يبقَ موجود غير الله فقال في ذلك الوقت : أنا الحق، كأن الحق سبحانه أجرى هذه الكلمة على لسانه حال فنائه بالكلية عن نفسه واستغراقه في أنوار جلال الله تعالى، ولهذا المعنى لما قيل له : قل أنا بالحق أبى، فإنه لوقال أنا بالحق لصار قوله( أنا ) إشارة إلى نفسه والرجل كان في مقام محوِ ماسوى الله.
-التأويل الثاني :
أنه ثبت أنه سبحانه هو الحق ومعرفته هي المعرفة الحقية، وكما أن الإكسير إذا وقع على النحاس قلبَه ذهبا فهكذا إكسير معرفة الله إذا وقع على روحه انقلب روحه من الباطلية إلى الحقية فصار ذهبا إبريزا فلهذا قال : أنا الحق.
- التأويل الثالث :
أن من غلب عليه شيئ يقال أنه هو ذلك الشيئ على سبيل المجاز كما يقال : فلان جود وكرم، فلما كان الرجل مستغرقا بالحق لاجرم قال : أنا الحق، والفرق بين هذا الجواب وبين الأول أن في الأول صار العبد فانيا بالكلية عن نفسه غرقاً في شهود الحق فقوله أنا الحق كلام أجراه الحق على لسانه في غلو سكره فيكون القائل في الحقيقة هو الله، وأما في الجواب الثاني فالعبد هو الذي قال ذلك ومراده منه المبالغة، وبين المقامين فرق عظيم إن كنت من أرباب الذوق.
-التأويل الرابع :
لايبعد أنه لما تجلى في روحه نور جلال الله وزالت الحجب البشرية لاجرم بلغت روحه إلى أقصى منازل السعادات فقد صار حقا بجعل الله إياه حقا كما قال تعالى( ويحق الله الحق بكلماته ) فيصدق قوله : أنا الحق، لأن الحق أعم من الحق بذاته ومن الحق بغيره.
فإن قيل : فبهذا الوجه كل موجود حق فما معنى التخصيص؟
قلنا : لأنه لما تجلى في روحه نور عالم الإلهية صار كاملا حاصلا في هذه الدرجة، فلاختصاصه بمزيد الكمال ذكر ذلك.
-التأويل الخامس:
أنه يحمل على حذف المضاف والمعنى : أنا عابد الحق وذاكر الحق وشاكر الحق. أ. ه
كتاب لوامع البينات للإمام فخر الدين الرازي ص 217-218. "

فخر الدين الرازي

14 " واعلم أن لفظ " هو " فيه أسرار عجيبة وأحوال عالية ، فبعضها يمكن شرحه وتقريره وبيانه ، وبعضها لا يمكن ، قال مصنف الكتاب : وأنا بتوفيق الله كتبت أسرارا لطيفة ، إلا أني كلما أقابل تلك الكلمات المكتوبة بما أجده في القلب من البهجة والسعادة عند ذكر كلمة " هو " أجد المكتوب بالنسبة إلى تلك الأحوال المشاهدة حقيرا ، فعند هذا عرفت أن لهذه الكلمة تأثيرا عجيبا في القلب لا يصل البيان إليه ، ولا ينتهي الشرح إليه ، فلنكتب ما يمكن ذكره فنقول : فيه أسرار : الأول : أن الرجل إذا قال : يا " هو " فكأنه يقول : من أنا حتى أعرفك ، ومن أنا حتى أكون مخاطبا لك ، وما للتراب ورب الأرباب ، وأي مناسبة بين المتولد عن النطفة والدم وبين الموصوف بالأزلية والقدم ؟ فأنت أعلى من جميع المناسبات وأنت مقدس عن علائق العقول والخيالات ، فلهذا السبب خاطبه العبد بخطاب الغائبين ، فقال : يا هو .

والفائدة الثانية : أن هذا اللفظ كما دل على إقرار العبد على نفسه بالدناءة والعدم ففيه أيضا دلالة على أنه أقر بأن كل ما سوى الله تعالى ، فهو محض العدم ؛ لأن القائل إذا قال : " يا هو " فلو حصل في الوجود شيئان لكان قولنا : " هو " صالحا لهما جميعا ، فلا يتعين واحد منهما بسبب قوله " هو " فلما قال " يا هو " ، فقد حكم على [ ص: 125 ] كل ما سوى الله تعالى بأنه عدم محض ونفي صرف ، كما قال تعالى : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) [ القصص : 88 ] ، وهذان المقامان في الفناء عن كل ما سوى الله مقامان في غاية الجلال ، ولا يحصلان إلا عند مواظبة العبد على أن يذكر الله بقوله : يا هو .

والفائدة الثالثة : أن العبد متى ذكر الله بشيء من صفاته لم يكن مستغرقا في معرفة الله تعالى ؛ لأنه إذا قال : " يا رحمن " ؛ فحينئذ يتذكر رحمته فيميل طبعه إلى طلبها فيكون طالبا للحصة ، وكذلك إذا قال : " يا كريم ، يا محسن ، يا غفار ، يا وهاب ، يا فتاح " وإذا قال : " يا ملك " ، فحينئذ يتذكر ملكه وملكوته وما فيه من أقسام النعم فيميل طبعه إليه فيطلب شيئا منها ، وقس عليه سائر الأسماء ، أما إذا قال : " يا هو " فإنه يعرف أنه هو ، وهذا الذكر لا يدل على شيء غيره البتة ، فحينئذ يحصل في قلبه نور ذكره ، ولا يتكدر ذلك النور بالظلمة المتولدة عن ذكر غير الله ، وهناك يحصل في قلبه النور التام والكشف الكامل .

الكتاب الثاني في مباحث بسم الله الرحمن الرحيم»الباب السابع في الأسماء الدالة على الصفات الحقيقية مع الإضافية » الفصل التاسع في الأسماء الحاصلة لله تعالى من باب الأسماء المضمرة

الكتاب الثاني في مباحث بسم الله الرحمن الرحيم » الباب السابع في الأسماء الدالة على الصفات الحقيقية مع الإضافية » الفصل التاسع في الأسماء الحاصلة لله تعالى من باب الأسماء المضمرة "

فخر الدين الرازي , التفسير الكبير - مفاتيح الغيب

15 " فالمقام الأول : مقام المقربين(( وهو أعلى مقامات السائرين إلى الله)) وهؤلاء هم الذين نظروا إلى ماهيات الأشياء وحقائقها من حيث هي هي ، فلا جرم ما رأوا موجودا سوى الله لأن الحق هو الذي لذاته يجب وجوده ، وأما ما عداه فممكن لذاته والممكن لذاته إذا نظر إليه من حيث هو هو كان معدوما ، فهؤلاء لم يروا موجودا سوى الحق سبحانه ، وقوله : ( هو ) إشارة مطلقة والإشارة وإن كانت مطلقة إلا أن المشار إليه لما كان معينا انصرف ذلك المطلق إلى ذلك المعين ، فلا جرم كان قولنا : " هو " إشارة من هؤلاء المقربين إلى الحق سبحانه فلم يفتقروا في تلك الإشارة إلى مميز،( لأن الافتقار إلى المميز إنما يحصل حين حصل هناك موجودان) ، وقد بينا أن هؤلاء ما شاهدوا بعيون عقولهم إلا الواحد فقط ، فلهذا السبب كانت لفظة : ( هو ) كافية في حصول العرفان التام لهؤلاء .
المقام الثاني : وهو مقام أصحاب اليمين وهو دون المقام الأول ، وذلك لأن هؤلاء شاهدوا الحق موجودا وشاهدوا الخلق أيضا موجودا ، فحصلت كثرة في الموجودات فلا جرم لم يكن( هو) كافيا في الإشارة إلى الحق ، بل لا بد هناك من مميز به يتميز الحق عن الخلق، فهؤلاء احتاجوا إلى أن يقرنوا لفظة الله بلفظة هو ، فقيل لأجلهم : هو الله لأن الله هو الموجود الذي يفتقر إليه ما عداه ، ويستغني هو عن كل ما عداه .
تفسير سورة الإخلاص "

فخر الدين الرازي , التفسير الكبير - مفاتيح الغيب