والفائدة الثانية : أن هذا اللفظ كما دل على إقرار العبد على نفسه بالدناءة والعدم ففيه أيضا دلالة على أنه أقر بأن كل ما سوى الله تعالى ، فهو محض العدم ؛ لأن القائل إذا قال : " يا هو " فلو حصل في الوجود شيئان لكان قولنا : " هو " صالحا لهما جميعا ، فلا يتعين واحد منهما بسبب قوله " هو " فلما قال " يا هو " ، فقد حكم على [ ص: 125 ] كل ما سوى الله تعالى بأنه عدم محض ونفي صرف ، كما قال تعالى : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) [ القصص : 88 ] ، وهذان المقامان في الفناء عن كل ما سوى الله مقامان في غاية الجلال ، ولا يحصلان إلا عند مواظبة العبد على أن يذكر الله بقوله : يا هو .

والفائدة الثالثة : أن العبد متى ذكر الله بشيء من صفاته لم يكن مستغرقا في معرفة الله تعالى ؛ لأنه إذا قال : " يا رحمن " ؛ فحينئذ يتذكر رحمته فيميل طبعه إلى طلبها فيكون طالبا للحصة ، وكذلك إذا قال : " يا كريم ، يا محسن ، يا غفار ، يا وهاب ، يا فتاح " وإذا قال : " يا ملك " ، فحينئذ يتذكر ملكه وملكوته وما فيه من أقسام النعم فيميل طبعه إليه فيطلب شيئا منها ، وقس عليه سائر الأسماء ، أما إذا قال : " يا هو " فإنه يعرف أنه هو ، وهذا الذكر لا يدل على شيء غيره البتة ، فحينئذ يحصل في قلبه نور ذكره ، ولا يتكدر ذلك النور بالظلمة المتولدة عن ذكر غير الله ، وهناك يحصل في قلبه النور التام والكشف الكامل .

الكتاب الثاني في مباحث بسم الله الرحمن الرحيم»الباب السابع في الأسماء الدالة على الصفات الحقيقية مع الإضافية » الفصل التاسع في الأسماء الحاصلة لله تعالى من باب الأسماء المضمرة

الكتاب الثاني في مباحث بسم الله الرحمن الرحيم » الباب السابع في الأسماء الدالة على الصفات الحقيقية مع الإضافية » الفصل التاسع في الأسماء الحاصلة لله تعالى من باب الأسماء المضمرة"/>

Home > Author > فخر الدين الرازي >

" واعلم أن لفظ " هو " فيه أسرار عجيبة وأحوال عالية ، فبعضها يمكن شرحه وتقريره وبيانه ، وبعضها لا يمكن ، قال مصنف الكتاب : وأنا بتوفيق الله كتبت أسرارا لطيفة ، إلا أني كلما أقابل تلك الكلمات المكتوبة بما أجده في القلب من البهجة والسعادة عند ذكر كلمة " هو " أجد المكتوب بالنسبة إلى تلك الأحوال المشاهدة حقيرا ، فعند هذا عرفت أن لهذه الكلمة تأثيرا عجيبا في القلب لا يصل البيان إليه ، ولا ينتهي الشرح إليه ، فلنكتب ما يمكن ذكره فنقول : فيه أسرار : الأول : أن الرجل إذا قال : يا " هو " فكأنه يقول : من أنا حتى أعرفك ، ومن أنا حتى أكون مخاطبا لك ، وما للتراب ورب الأرباب ، وأي مناسبة بين المتولد عن النطفة والدم وبين الموصوف بالأزلية والقدم ؟ فأنت أعلى من جميع المناسبات وأنت مقدس عن علائق العقول والخيالات ، فلهذا السبب خاطبه العبد بخطاب الغائبين ، فقال : يا هو .

والفائدة الثانية : أن هذا اللفظ كما دل على إقرار العبد على نفسه بالدناءة والعدم ففيه أيضا دلالة على أنه أقر بأن كل ما سوى الله تعالى ، فهو محض العدم ؛ لأن القائل إذا قال : " يا هو " فلو حصل في الوجود شيئان لكان قولنا : " هو " صالحا لهما جميعا ، فلا يتعين واحد منهما بسبب قوله " هو " فلما قال " يا هو " ، فقد حكم على [ ص: 125 ] كل ما سوى الله تعالى بأنه عدم محض ونفي صرف ، كما قال تعالى : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) [ القصص : 88 ] ، وهذان المقامان في الفناء عن كل ما سوى الله مقامان في غاية الجلال ، ولا يحصلان إلا عند مواظبة العبد على أن يذكر الله بقوله : يا هو .

والفائدة الثالثة : أن العبد متى ذكر الله بشيء من صفاته لم يكن مستغرقا في معرفة الله تعالى ؛ لأنه إذا قال : " يا رحمن " ؛ فحينئذ يتذكر رحمته فيميل طبعه إلى طلبها فيكون طالبا للحصة ، وكذلك إذا قال : " يا كريم ، يا محسن ، يا غفار ، يا وهاب ، يا فتاح " وإذا قال : " يا ملك " ، فحينئذ يتذكر ملكه وملكوته وما فيه من أقسام النعم فيميل طبعه إليه فيطلب شيئا منها ، وقس عليه سائر الأسماء ، أما إذا قال : " يا هو " فإنه يعرف أنه هو ، وهذا الذكر لا يدل على شيء غيره البتة ، فحينئذ يحصل في قلبه نور ذكره ، ولا يتكدر ذلك النور بالظلمة المتولدة عن ذكر غير الله ، وهناك يحصل في قلبه النور التام والكشف الكامل .

الكتاب الثاني في مباحث بسم الله الرحمن الرحيم»الباب السابع في الأسماء الدالة على الصفات الحقيقية مع الإضافية » الفصل التاسع في الأسماء الحاصلة لله تعالى من باب الأسماء المضمرة

الكتاب الثاني في مباحث بسم الله الرحمن الرحيم » الباب السابع في الأسماء الدالة على الصفات الحقيقية مع الإضافية » الفصل التاسع في الأسماء الحاصلة لله تعالى من باب الأسماء المضمرة "

فخر الدين الرازي , التفسير الكبير - مفاتيح الغيب


Image for Quotes

فخر الدين الرازي quote : واعلم أن لفظ
والفائدة الثانية : أن هذا اللفظ كما دل على إقرار العبد على نفسه بالدناءة والعدم ففيه أيضا دلالة على أنه أقر بأن كل ما سوى الله تعالى ، فهو محض العدم ؛ لأن القائل إذا قال : " يا هو " فلو حصل في الوجود شيئان لكان قولنا : " هو " صالحا لهما جميعا ، فلا يتعين واحد منهما بسبب قوله " هو " فلما قال " يا هو " ، فقد حكم على [ ص: 125 ] كل ما سوى الله تعالى بأنه عدم محض ونفي صرف ، كما قال تعالى : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) [ القصص : 88 ] ، وهذان المقامان في الفناء عن كل ما سوى الله مقامان في غاية الجلال ، ولا يحصلان إلا عند مواظبة العبد على أن يذكر الله بقوله : يا هو .

والفائدة الثالثة : أن العبد متى ذكر الله بشيء من صفاته لم يكن مستغرقا في معرفة الله تعالى ؛ لأنه إذا قال : " يا رحمن " ؛ فحينئذ يتذكر رحمته فيميل طبعه إلى طلبها فيكون طالبا للحصة ، وكذلك إذا قال : " يا كريم ، يا محسن ، يا غفار ، يا وهاب ، يا فتاح " وإذا قال : " يا ملك " ، فحينئذ يتذكر ملكه وملكوته وما فيه من أقسام النعم فيميل طبعه إليه فيطلب شيئا منها ، وقس عليه سائر الأسماء ، أما إذا قال : " يا هو " فإنه يعرف أنه هو ، وهذا الذكر لا يدل على شيء غيره البتة ، فحينئذ يحصل في قلبه نور ذكره ، ولا يتكدر ذلك النور بالظلمة المتولدة عن ذكر غير الله ، وهناك يحصل في قلبه النور التام والكشف الكامل .

الكتاب الثاني في مباحث بسم الله الرحمن الرحيم»الباب السابع في الأسماء الدالة على الصفات الحقيقية مع الإضافية » الفصل التاسع في الأسماء الحاصلة لله تعالى من باب الأسماء المضمرة

الكتاب الثاني في مباحث بسم الله الرحمن الرحيم » الباب السابع في الأسماء الدالة على الصفات الحقيقية مع الإضافية » الفصل التاسع في الأسماء الحاصلة لله تعالى من باب الأسماء المضمرة" style="width:100%;margin:20px 0;"/>