Home > Work > العسكري الأسود

العسكري الأسود QUOTES

1 " إن أبشع ما في الأمر أنك لا تحتمل فقط وتصبر , ولكنك تزداد استمساكا بالحياة , وتصل بك حلاوة الروح إلى درجة مخجلة في شدتها وقوتها . وهكذا في مقابل كل ضربة هائلة الألم , عارمة القسوة , مهينة تتلقاها من الخارج , تنهال عليك من داخلك وذات نفسك ألف لعنة , ألف طعنة , ألف إحساس مخجل مهين يمزق أحشاءك ويذيب كماء النار روحك , لأنك لا تموت ولا تريد الموت ولا تزال حيا تتمسك ذليلا بالحياة .
---
الضرب, ذلك النوع من الضرب, حين يتحول المضروب إلى أنقاض إنسان مذعورة, أنقاض تتألم. وبوعي تحس نفسها وهي تتقوض إلى أسفل. وبإرادتها الخانقة تمنع نفسها من أن ترد. ويتحول فيها الضارب إلى أنقاض إنسان من نوع آخر , وكأنه إنسان يتهدم إلى أعلى, يسعده الألم الذي يحدثه في ابن جنسه, ويستمتع بإرادة. وبإرادة ايضا يقتل الاستجابة البشرية للألم في نفسه فلا يكف إلا ببلوغ ضحيته أبشع درجات التهدم والتقوض, وبلوغه هو أخس مراحل النشوة المجرمة التي لا يستطيعها من المخلوقات جميعها ولا يستمتع بها غير الإنسان المنحط في الإنسان .
---
أتعرف أنك حين تؤذي غيرك , تؤذي نفسك دون أن تدري ؟ .... دع الضارب يضرب , فيده التي تضرب تمتد أيضا إلى ذات نفسه ..
---
... كنا أصدقاء لا لأننا كنا هازلين في خلافاتنا , إذ الحقيقة أننا كنا أكثر من جادين , وتمسك كل منا برأيه ووجهة نظره كان يصل أحيانا إلى حد ارتكاب الجريمة . ربما السبب في الصداقة المهيمنة الكبيرة التي جمعتنا أننا كنا جميعا نؤمن - رغم اختلاف طرقنا ووسائلنا – أن لنا رسالة واحدة نحن مبعوثو العناية لتحقيقها .. إنقاذ بلادنا و تغيير مصير شعبنا تغييرا جذريا وإلى الأبد .
---
... وبعد أن كانت كليتنا تموج بالمؤتمرات والخطب والثوار , أصبحت تموج بالبوليس السري والإشاعات والخوف وحرب الأعصاب . و تشتت شمل الجيل .. دخل السجن بعضه , و البعض اختفى وهرب في الأرياف والمدن البعيدة وأحيانا داخل نفسه .. حفر حفرة عميقة في صدره دفن فيها ثورته و معتقداته وردم عليها , وأصبح همه الوحيد أن يردم عليها أكثر وأكثر ويدعي عكس ما يعتقد ... "

Yusuf Idris , العسكري الأسود

10 " ى الحياة العادية حين يتشابك الناس ويتضاربون ليس هذا بضرب ، فإحساس المضروب أن باستطاعته أن يرد الضربة يخفف كثيرا من وقع ما يتلقاه ، والألم الذى ينتج عنها يتبخر فى الحال ويستحيل إلى حافز يدفع صاحبه للهجوم والانقضاض . بالاختصار أنت لا تشعر بالضرب حين تكون حرا أن ترده .. أنت تشعر به هناك حين يكون عليك فقط أن تتلقاه ولا حرية لك ولا حق ولا قدرة لديك على رده .. هناك تجرب الإحساس الحقيقى بالضرب ، بألم الضرب ، لا مجرد الألم الموضعى للضربة أو الألم العام الناتج عنها، إنما بألم آخر مصاحب أبشع .. أقوى .. ألم الإهانة .. حين تحس أن كل ضربة توجه إلى جزء من جسدك توجه معها ضربة أخرى إلى كيانك كله ، إلى إحساسك وكرامتك كإنسان. ضربة ألمها مبرح لأنها تصيب نفسك من الداخل إصابة مباشرة لا يحجبها أو يخفف منها جلد أو لحم أو عظم أو حرية أو حق الإنسان أن يتصرف كالإنسان ويرد ، وهذه كلها دروع لو تعلمون عظيمة .إن حرية الإنسان .. حقه أن يرفض أو يقبل أو يرد الاعتداء جزء لا يتجزأ من جسده وكيانه ولحمه وأنسجته الواقية الحية "

Yusuf Idris , العسكري الأسود