Home > Work > الصديقة بنت الصديق
1 " فمن الطبيعي أن تسر المرأة بسرور الرجل لأنها تحبه.و من الطبيعي كذلك أن تغار من السرور الذي يحببه إلى غيرها، لأنها تحبه.و قد يفترق القلبان في لحظة من اللحظات لأنهما مقتربان أشد اقتراب. "
― عباس محمود العقاد , الصديقة بنت الصديق
2 " المماثلة مع الاختلاف ليست هي الصواب و ليست هي الإنصاف. "
3 " ولكننا إذا فهمنا النبي ص إنسانا فقد فهمناه كله، وفهمناه على حيقته التي تعنينا وتعقد له أواصر القرابة فيما بينه وبيننا، لأننا وصلنا بين الإنسان فيه والإنسان فينا. "
4 " والإسلام لم يقل إن تعدد الزوجات هو المثل الأعلى، ولم يفرضه على كل مسلم، ولم يحمده من كل مسلم، ولم يُخلِهِ من شرطٍ عسيرٍ، هو العدل في المعاملة وإن تعذر العدل في المحبة، ولم يفعل إلا أنه وضع التشريع في موضعه الذي يحسب فيه حساب المثل النادر والمثل الشائع، ولم تأت بعده شريعة حلت هذه المشكلة بغير الهرب منها أو المغالطة فيها، كما هو الواقع الملموس في الأمم التي تحظر تعدد الزوجات ولا تحظر المعيشة مع الخليلات، أو معاملة النساء كمعاملة العجماوات. "
5 " فضلت على نساء النبي ﷺ بعشر! لم ينكح بكرًا قط غيري، ولا امرأة أبواها مهاجران غيري، وأنزل الله براءتي من السماء، وجاء جبريل بصورتي من السماء في حريرة، وكنت أغتسل أنا وهو في إناء واحد ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه دون غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي ولم ينزل وهو مع غيري، وقُبِض وهو بين سحري ونحري وفي الليلة التي كان يدور عليَّ فيها ودفن في بيتي. وكان هذا التمييز سر البيت النبوي في مبدأ أمره، ثم شاع في الجزيرة العربية حتى كان صاحب الهدية من المسلمين "
6 " يؤخرها ليبعث بها إلى النبي وهو في بيت عائشة. فوقع التغاير الذي لا محيص منه بين الزوجات، وأرسلن إليه إحداهن — أم سلمة — فأعرض عن حديثها ثلاث مرات، فلما أثقلت عليه قال لها: «لا تؤذيني في عائشة، فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة غير عائشة» — يريد بالثوب البيت في بعض التفسيرات، من قولهم ثاب إليه يثوب فهو في الثوب الذي لا يزال يرجع إليه. وتوسلن بالسيدة فاطمة — رضي الله عنها — لما يعلمن من قبول أبيها لكل شفاعة تأتيه منها، فقالت له: «إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر. قال لها: يا بنية، ألا تحبين ما أحب؟ قالت: بلى. قال: فأحبي هذه» — يشير إلى عائشة. ويسيرٌ على الزميلات المتنافسات أن يدركن حب النبي لعائشة، ويلحظن أنها كانت أحبهن جميعًا إليه، وأقربهن جميعًا إلى فؤاده. ولكن الذي لم يكن يسيرًا عليهن أن يدركنه أو يلحظنه أنها هي — رضي الله عنها — كانت أشدهن حبًّا له، ونفاذًا إلى نفسه، واتصالًا بقلبه ولبه. فكلهن كن يحببنه، ويتنافسن على قربه، ولو كان فيه التنافس على الموت وفراق الدنيا ومن فيها. "
7 " لقد كانت تحبه حب المسلمة لنبيها، وكانت تحبه حب الزوجة لزوجها والمرأة لرجلها، وكانت تعجب بجماله كما تعجب بأدبه وعظمة قدره. "
8 " فالسيدة فاطمة والسيدة عائشة شريكتان في قلب واحد تتنافسان عليه، ولكنها شركة بين كريمتين. "
9 " فالعرب لم ينظروا قط إلى المرأة هذه النظرة، ولم يحكموا عليها قط بالنجاسة والأصالة في الشر والخباثة؛ لأنهم لم يعرفوا الخطيئة بهذا المعنى في عهد الجاهلية. "
10 " فإن آداب الحماية تجعل المرأة أحق شيء بأن يحمى، وأن يغار عليه الحماة؛ لأنها أمس بالرجل من أرض المرعى ومن ماء البئر ومن الجمل والناقة، فمن فرط فيها فما هو بقادر على حماية شيء من هذه الأشياء. ومن هنا فرط الغيرة على العرض وإيثار الموت للبنت على العار. "
11 " من يئد البنات عَيلة — أي إشفاقًا من النفقة — كما وجد فيهم من يئد البنات أنفة من العار، وآية ذلك أن صعصعة بن ناجية كان يشتري البنات من آبائهن ليستحييهن، فيقبلون ذلك ويبيعونهن راضين عن بيعهن، حتى قيل إنه افتدى ثمانين ومائتي وليدة بالشراء، ولو كان آباؤهن يئدونهن خشية العار وحده لما أغنى عنهم إقصاؤهن وهن في قيد الحياة، ولحق بهم في بيعهن عار لا يقبله من يأنف من العار، والقرآن الكريم يقول: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ. "
12 " ونخرج من هذا جميعه بأن هذه النقائض الظاهرة مصدرها واحد، وهو النزاع على الرزق وما أوجبه من تقديس فضائل الحماية والدفاع عن الحرمات. فهذا المصدر يفسر لنا وأد البنات خشية الإملاق كما يفسر لنا وأدهن خشية العار، ويفسر لنا احتقار البكاء على المرأة كما يفسر لنا إعزاز جارها حتى لتنشب الحرب أربعين سنة غضبًا من إصابة ناقة في جوار خالة رئيس، ويرجع كله إلى نظرة طبيعية تجري مع الحوادث في مجراها، فلا يشوبها وهم من عقيدة دينية، ولا يخالطها قيد من أحكام التشريع. "
13 " الرجل والمرأة؛ لأنها العلاقة التي تمتحن بها الكياسة وآداب الخطاب. "
14 " ويلوح من تكرار هذه الأنباء أن استشارة البنات في أمر زواجهن كان سنة من السنن المرعية بين سادات العرب، لا يشذ عنها إلا القليل. "
15 " فآداب الرجال والنساء في بني تيم كانت مثالًا للرعاية التي تظفر بها المرأة العربية في بيئة السيادة وبيئة الحضارة. "
16 " جاء الإسلام فبدأ من النهاية التي انتهت إليها آداب الحضارة والسيادة، وهي خلاصة العرف الذي تعارف عليه سادة الحضر في معاملة المرأة العربية. إلا أنه جعل هذا العرف حقًّا مكتوبًا على الرجال لكل امرأة من كل طبقة، ولم يقصره على عقائل البيوتات كما كان مقصورًا عليهن في آداب الجاهلية بحكم الاصطلاح والعادة، يتبعه من يرضاه ويهمله من يأباه. ثم زاد على هذا العرف منزلة من الرعاية لم تصل إليها أرفع النساء في أرفع البيوتات قبل الدعوة المحمدية؛ لأنه جعلها مناط التكليف، ووجه إليها الخطاب في كل شيء كما وجهه إلى الرجال، إلا ما هو من خصائص عمل الرجال في العرف المستقيم. "
17 " فقلما لامها في شيء يمسه من غيرتها، ولكنه كان لا يسكت مرة عن مؤاخذتها على فلتات هذه الغيرة التي تمس بها أناسًا آخرين، فيؤاخذ مؤاخذة المؤدب الرفيق، ولا يدع لها أن تعيد ما آخذها عليه. "
18 " ومن «الأنثويات» الخالدة في طبيعة المرأة دلالها ومغاضبتها وهي أشوق ما تكون إلى المصالحة وتقصير أمد المغاضبة. "
19 " ولا يعرف على التحقيق في أي سنة ولدت السيدة عائشة رضي الله عنها، ولكن أقرب الأقوال إلى الصدق وأحراها بالقبول أنها ولدت في السنة الحادية عشرة أو الثانية عشرة قبل الهجرة، فتكون قد بلغت الرابعة عشرة من عمرها أو قاربتها يوم بنى بها الرسول عليه السلام. "
20 " وكانت السيدة عائشة تشترك في خصومات المتخاصمين على الخلافة باختيارها، أو تساق إلى المشاركة فيها على كره منها، وكانت هي أول من يُسمع له إذا روت حديثًا يدمغ خصومها ويعزز أنصارها، ولكنها لم تنقل قط في كل ما ثبتت نسبته إليها حديثًا واحدًا تمسه الشبهات من قريب أو بعيد ولا تؤيده الأسانيد الأخرى، ولم تحرف كلمة واحدة إلى غير موقعها طواعية لإغراء تلك النوازع النفسية التي تطيش بالألسنة أو تضلل العقول، وهو امتحان ليس أعسر منه امتحان في هذا الباب، ولهذا كانوا يروون عنها الأحاديث فيقولون: حدثتنا الصديقة بنت الصديق! "