Home > Work > هاتف من الأندلس
1 " لن أيأس مادام في العمر فُسحة، ولن أقنط من روح الله، ولن أدع وسيلة للخروج من هذا المأزق إلا سلكتها. إن أمامي حياة وآمالا ومطامح، وإن البطل إذا عثر انتعش، وإذا سقط وثب، وربّ ضارة نافعة، ورب نقمة من ورائها نعمة! "
― علي الجارم , هاتف من الأندلس
2 " هز ابن حيان رأسه وقال:– ما رأيت دستورا للمسلمين أجمع ولا أوجز من قول النبي الكريم: المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم.إن التحاسد والتنافس والاعتصام بالأجنبي والتكالب على الحكم والغلَب، كل أولئك كان شره مستطريًا. "
3 " ومن الناس من يتحلى بقدرة عجيبة على استلال هم المهمومين، ولباقة نادرة في الحديث إلى المحزونين بحيث لا يدعهم يشعرون أنه يقصد إلى تسليتهم، أو الترويح عنهم، فإن مما يدعو إلى تمرد النفوس أن تشعر أن هناك حيلة تحاك لتغفلها وصرفها عما هي فيه. وأكثر ما يبدو ذلك في الأطفال، فإن من أنجع وسائل الإيحاء إليهم بنصح أو إرشاد ألا يدور بخلدهم أن ما يوجه إليهم إنما صنع قصدا للاحتيال لإرشادهم. "
4 " يجب ألا ننظر إلى الخلف، وأن نتجه دائما إلى الأمام، فكثيرًا ما أضاع الناس حياتهم بالنظر إلى الماضي، والغفلة عن الحاضر والمستقبل، وكم طارت منهم فرص لو رأوها وهي مقبلة عليهم لاقتنصوها. "
5 " ولذة الانتقام لدى النفوس المريضة أقوى من لذة الخير والإحسان في نفوس المحسنين. "
6 " لعن الله الحب، ولعن الله الأدب! ولعن الله التظرُّف الذي يجر إلى التفكّه بأعراض الناس لا لشيء إلا أن يقولوا: إن فلانًا أديب بارع لاذع النكتة صادق الرماية! لقد جر إليّ حبي الجنوني، وأدبي المعربد، وطبعي المرح الضحوك أعظم الويلات وأوخم العواقب. "
7 " إن الماضي الدميم لا يزور أصحابه إلا إذا أوَوْا إلى مضاجعهم، وانفردوا بأنفسهم، وبعدوا عن ضجيج الحياة وصخبها. فما كاد رأس ابن زيدون يمس الوسادة، حتى أطلَّت عليه الذكريات برءوسها بشعة منكرة، كأنها رءوس الشياطين. وهذه الذكريات تظهر أول الأمر في هيئة أشعة ملونة مبهمة، ثم تتجمع وتتناسق لتبرز صورة واضحة لشخص أو لحادثة، لا يجد المرء عنها محيدا، ولا دونها منصرفًا. وكلما زاحمها بالتفكير في شيء يسره ويشرح صدره، ويجذب إليه النوم الهادئ الهنيء، طردته في عنف وجَبرية، وأخذت مكانه شامتة ساخرة. وكلما حاول أن يجعل بينه وبين التفكير المطلق سدا، وأن يحملق في الظلام كما يحملق المعتوه، أبى الدماغ أن يبقى فارغًا، وأسرعت إليه الصورة كأول ما كانت قوة وظهورًا.. وقد يرى أن يفر من الوحدة بالقراءة، فيوقد المصباح ويختار أجلب كتاب في خزانته للتسلية والتفريج، ويطل على السطور، فإذا هي تتراقص أمامه مخرجة له لسانها في تحد وعبث، وإذا الصورة السمجة تزاحم الكلمات وتحجب عنه السطور. "