Home > Work > يوميات نائب في الأرياف

يوميات نائب في الأرياف QUOTES

6 " ينقطع لقضايا الجنايات كما هو الحال في أوربا والعالم المتحضر! إنهم هناك ينظرون إلى أرواح الناس بعين الجد. أما هنا فلا أحد يأخذ ذلك على سبيل الجد. وإن الأموال لتنفق هنا بسخاء في التافه من الأمور، وأما إذا طلبت لإقامة العدل أو تحسين حال الشعب فإنها تصبح عزيزة شحيحة تقبض عليها الأكف المرتجفة كأنها ستلقى في البحر هباء. ذلك أن «العدل» و«الشعب»... إلخ إلخ. كلمات لم يزل معناها غامضا عن العقول في هذا البلد. كلمات كل مهمتها أن تكتب على الورق وتلقى في الخطب كغيرها من الألفاظ والصفات المعنوية التي لا يحس لها وجود حقيقي، فلماذا ينتظر مني أنا أن آخذ على سبيل الجد روح «سي قمر الدولة علوان»؟! إن هذا المجني عليه قد مات وانتهى مثل غيره من مئات المجني عليهم في هذا المركز والمراكز الأخرى في القطر، ذهب دمهم جميعا أرخص من المداد الذي حبرت به محاضر قضاياهم، وانتهى ذكرهم عندنا «رسميا» بذلك الإجراء الأخير البسيط: «تحفظ القضية لعدم معرفة الفاعل ويكتب للمركز باستمرار البحث والتحري» فيجيب المركز بعبارة مألوفة محفوظة يحررها كاتب الضبط في حركة آلية وهو يقضم «شرش جزر»: «جارين البحث والتحري...» وهي كلمة الوداع التي تقبر بها القضية نهائيا. لقد كان في قضية قمر الدولة «قمر» مضيد ميز في أعيننا هذه القضية عن غيرها وحبب إلينا العمل والجهد في سبيلها. ولقد اختفى هذا القمر إلى الأبد وترك القضية ومحققيها في الظلام! بل إنه بذهابه قد زال عنها ذلك الاعتبار الخاص فأصبحت قضية عادية كمئات القضايا التي لا يعنينا من أمر أشخاصها شيء. وللقضية، أي لذلك «الملف» المادي من الورق المكتوب «شخصية» قائمة بذاتها في نظر رجال العدل. وإن ما يعني جهاتنا الرئيسية هو ذلك «الملف» وسرعة التصرف فيه. وإنه لن يعيبنا شيء إذا حفظنا القضية، ولكن العيب كل العيب أن تظل هذه القضية باقية قيد التصرف ويثبت ذلك في «الكشوف» المرسلة إلى النائب العام والوزارة آخر السنة القضائية. أيّ عار عند ذلك وأيّ إهمال ينسبان إلى وكيل النيابة؟! وأيّ مكاتبات مستعجلة تسقط على رأسه من جميع الجهات عن سبب بقاء هذه القضية قيد التصرف؟ فإذا أجاب بأنه لم يستوف "

Tawfiq Al-Hakim , يوميات نائب في الأرياف