Home > Work > العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: التطبيق

العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: التطبيق QUOTES

1 " يلاحظ في المجتمعات العلمانية الحديثة الترويج لنماذج بشرية مختلفة يكمن وراءها نموذج الإنسان الوظيفي : أحادي البعد ، الذي تم اختزاله إلى مبدأ واحد، وتم تجريده من كل خصائصه الإنسانية المركبة المتعينة ، بحيث يمكن تعريفه في إطار وظيفته التي يضطلع بها. وفي النظم الاشتراكية، كان هناك دائما بطل الإنتاج الذى  كانت كفاءته وإنتاجيته تفوق كفاءة وإنتاجية أي إنسان سوي ، فهو إنسان توحد تماما مع وظيفته، وأصبح إنسانا وظيفيا يكتسب معنى وجوده من الكم الذي ينتجه من سلع .
أما فى المجتمعات الرأسمالية، فقد ظهرت أسطورة الإنسان العصامى الذى يصعد من الأسمال إلى الثروة الرأسمالية. وهذا العصامى هو إنسان نجح في ترشيد حياته تماما في إطار الربح الاقتصادي والتراكم الرأسمالي، فراكم الثروات الهائلة وقمع ذاته تماما.
ويلاحظ أن الشخصية القدوة هنا هي شخصية مستحيلة من الناحية الإنسانية، ومع هذا يستمر الترويج لها مع عدم ذكر أي شيء عن التكلفة النفسية والأخلاقية لعملية اختزال الإنسان إلى وظيفة. والحلم الأمريكي تعبير عن نفس الظاهرة، فهو حلم مستحيل بالنسبة للغالبية الساحقة من الشعب الأمريكي، ومع هذا فإن أجهزة الإعلام تروج له ، كما تروج لمعدلات كفاءة الأداء التي لا علاقة لها بالإمكانيات الحقيقية للإنسان ، وتفترض إنسانا لا أسرة له ولا أبناء ولا جيران، إنسانا متجردا مما هو إنساني.  "

عبد الوهاب المسيري , العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: التطبيق