Home > Work > شخصية الفرد العراقي
1 " من الملاحظ ان كل مدينة يكثر فيها رجال الدين ينتشر فيها ايضا ازدواج الشخصية على درجة كبيرة ذلك لان الانسان في هذا المجتمع مضطر ان يكون دينيآ في ناحية من حياته ودنيويآ في ناحية اخرى. "
― علي الوردي Ali Al-Wardi , شخصية الفرد العراقي
2 " إن أغانينا كلها بكاء ونحيب ، فالعراقي يبكي في أغانيه ويشتم في حديثه . "
3 " زارنا من احد الاقطار العربية كاتب ذات يوم، وكان الوقت رمضان فعجب من شدة تمسكنا بمظاهر الصوم من ناحية ومن كثرة المفطرين بيننا من ناحية اخرى والمطاعم مفتوحة ومزدحمة في الصباح والظهيرة.. وربما لا نغالي اذا قلنا بان المسلم العراقي من اشد الناس غضبا على من يفطر علنا وهو من اكثرهم افطاراً.وكذلك يمكن القول بان الفرد العراقي من اكثر الناس حبا للوطن وتحمسا لخدمة العلم بينما هو في الواقع يتملص ويبتعد من خدمة العلم اذا آن الأوان وان العراقي اقل الناس تمسكاً بالدين واكثرهم انغماساً في النزاع بين المذاهب الدينية، فتراه ملحداً من ناحية وطائفياً من ناحية أخرى.. انه بهذا ليس منافقا او مرائيا كما يحب البعض ان يسمه بل هو في الواقع ذو شخصيتين، وهو اذ يعمل باحدى شخصيتيه ينسى ما فعل آنفاً بالشخصية الاخرى، فهو اذ يدعو إلى المثل العليا او المبادئ السامية، انه مخلص فيما يقول، جاد فيما يدعي. "
4 " قلما نجد في هذه الدنيا مجتمعا تجزأت فيه العائلة مثل هذا التجزؤ البليغ. العراق مشهور بمقاهيه, وهي على كثرة عددها تغصّ بالرجال. ففي أصغر قرية كما في أكبر مدينة في العراق تجد المقاهي منتشرة انتشاراً فضيعاً. ولعل هذه الظاهرة سببها حجاب المرأة أولاً وتعالي الرجل عن المكوث معها في البيت ثانيًا. فقد نشأت عندنا قيم تجعل من المرأة جنسًا أقل من منزلة الرجل وأضعف عقلاً بحيث يشعر الرجل إزائها بالتعالي والكبرياء. فإذا علم الناس برجل يكثر من المكوث في بيته مع امرأته وأولاده اتهم بالتخنث, ولدينا من الأمثال السائرة عدد لا بأس به يدل على انتشارهذه القيم الأجتماعية بيننا.ولعل هذه القيم قد جائتنا من البداوة, فالمجتمع البدوي كما قلنا مجتمع غزو وحرب, والرجل وحده من الذي يقوم بمهمة الحرب والنضال, أما المرأة فتعتبر مهمتها أخفض درجة من مهمة الرجل ولذا ينظر أليها بعين الأستصغار والمهانة. والبدو يطلقون على من يكثر من مجالسة النساء لقب "زير نساء" وهو لقب يصعب على البدوي تحمله. أنه إذن مضطر أن يقضي أغلب أوقاته في ديوان الشيخ ليتحدث هناك مع أقرانه أحاديث البطولة وأقاصيص الغزو والشجاعة. "
5 " وإننا لا نذيع سراً إذا قلنا بأن القيم التي تسود بين الأطفال في الأزقة كثيراً ما تشبه سنة الغابة، فهي قيم تدور حول القوة وحول استعمالها في كل سبيل. إن الأطفال في الزقاق، حيث لا يشرف عليهم مشرف من الكبار، تنمو فيهم قيم التفاخر بالقوة والتباهي بها وحب السيطرة وشدة العصبية المحلية.نحن نعود أطفالنا منذ صغرهم على أن يتظاهروا بالوقار والرزانة أمام الكبار وبهذا تنشأ فيهم شخصيتان: شخصية للزقاق، وأخرى للظهور أمام الناس. فالأبوان في العراق كثيرا ما يؤنبان طفلهما إذا بدرت منه بوادر لا تليق بمعشر الكبار، فهو إذن يحاول أن يكون عاقلا خلوقا ساكنا إذا ذهب مع أبيه إلى المقهى، ولكنه لا يكاد يرجع إلى الزقاق حتى تراه قد خلع عنه ذلك القناع المصطنع الذي تقنع به في صحبة أبيه. فإذا كبر هذا الطفل، دأب على أن يقول ما لا يفعل، وأن يتحمس لما لا يعتقد به، وأن يعظ غيره بغير ما يعظ به نفسه. "
6 " أيها السادة لقد اشتهر العراقيون في صدر الأسلام انهم اهل شقاق ونفاق وقد حاول بعض المفكرين القدماء كالجاحظ مثلا, أن يفسّروا هذه الظاهرة الأجتماعية في العراق: أي لماذا كان العراقييون أهل شقاق ونفاق؟ ولماذا كانوا يشجعون بعض الزعماء على الثورة ثم يتخلون عنهم ساعة الضيق؟ "
7 " ولعّلنا غير مخطئين إذا قلنا بأن هذه النزعة "الحلفائية" تنتشر في كل مجتمع في كل مجتمع ديني تسيطر فيه مبادئ الدين وتبث منه تعاليمه. "
8 " يقال ان كثيرا من رؤساء المدن كانوا يحاولون ان يكونوا لصوصا يسطون على الدور ليلا او قتلة سفاكين ذلك يقال عنهم انهم رجال ليل فيجلبوا لانفسهم بذلك المكانة اللائقة في المجتمع واني اعرف شخصيا رئيسا من رؤساء العهد القديم كان غنيا وافر الغنى ومع ذلك كان يتنكر ليلا فيذهب الى السطو واعمال البطولة الليلية وبذا كان الناس يحترومنه ويخافونه.وعلى كل حال فان انتشار هذه القيم البدوية في المجتمع العراقي قد اضاف الى ازدواج الشخصية عنصرا جديدا فان هذا البطل الذي يسطو على الدور ليلا كان مضطرا ان يستجيب للمثل الدينية في النهار وقد تراه يلبس الوقار والفضيلة ويذهب الى المسجد متعبدا راجيا من الله ان يدخله الجنة ناسيا اعماله الليلية وما جنته يداه فيها كأن ما يعمله في الليل لا دخل له باعمال النهار "
9 " نجد ان هذا الأنفصال يؤدي في كثير من الأحيان إلى الأنحراف الجنسي فقد ثبت علميا بأن الأنحراف الجنسي في الغالب اكتسابي, يسببه انفصال المرأة عن الرجل كما هو الحال في الجنود الذين يظلون في ميدان الحرب مدة طويلة بعيدين عن النساء وكذلك في البحارة والسجناء وغيرهم ممن لا يتصل بالمرأة إلا قليلا. "
10 " لقد لاحظت بعد دراسة طويلة ان شخصية الفرد العراقي فيها شيء من الازدواج واجد كثيراً من القرائن تؤيدني فيما اذهب إليه.. واني لا انكر بان ازدواج الشخصية ظاهرة عامة توجد باشكال مختلفة في كل انسان، ولكني اؤكد ان الازدواج فينا مركّز ومتغلغل في اعماق نفوسنا، ان العراقي اكثر من غيره هياما بالمثل العليا فيدعو اليها في خطاباته وكتاباته ولكنه في نفس الوقت من اكثر الناس انحرافاً عن هذه المثل في واقع حياته.. "
11 " ومن العجيب حقا أن نرى بين مثقفينا ورجال دين فينا من يكون ازدواج الشخصية فيه واضحا : فهو تارة يحدثك عن المثل العليا وينتقد من يخالفها ، وتارة يعتدي أو يهدد بالاعتداء لأي سبب يحفزه الى الغضب.. تافه أو جليل ، ضاربا عرض الحائط بتلك المثل التي تحمس لها قبل ساعة "
12 " أما المرأة فقد تعودت أن تقبع في بيتها وأن تعتقد بفضل ذلك وبدلالته على العفة والشرف, فهي قد لقنت منذ الطفولة على ان تكون محجبة لا تخرج من البيت الا عند الضرورة القصوى. "