Home > Work > عثمان

عثمان QUOTES

3 " وكذلك دفعت سياسة عثمان المالية هؤلاء الثائرين إلى أن يلحوا على عثمان في تغيير
سياسة عمر نفسها. وما دام عثمان قد ذهب إلى سياسة تنحرف عن سياسة عمر حتى
الذين أسرفوا على أنفسهم في الملك والتوسع فيه، فليس « الرأسماليين » أبعد وأنشأ طبقة
هناك ما يمنع الثائرين من أن يكفوا يد عثمان وعماله عن هذه السياسة وإن اقتضى ذلك الانحراف عن سيرة عمر. وإذا لم يكن بدٌّ من السياسة التي تقوم على الأثرة لا على الإيثار، وتنحرف عن هذه الاشتراكية المعتدلة التي مضت عليهما أمور المسلمين، فلا أقل من أن يتحقق شيء من العدل في هذه الأثرة، ومن أن يكون رأس المال موقوفًا على الذين اكتسبوه بأيديهم وبذلوا في سبيله جهودهم ودماءهم. والمهم هو أن الثائرين أرادوا التي أحدثتها سياسة عثمان شاملة عادلة بمقدار ما يمكن أن « الرأسمالية » أن تكون تبلغ من الشمول والعدل. ثم هم رأوا أن كثيرًا من شباب قريش وأهل المدينة يعيشون عيشة بطالة يعتمدون على أعطياتهم، وقد لا يحتاجون إلى هذه الأعطيات، فقالوا: من كان منهم غنيٍّا فلا حق له في بيت المال، ومن كان منهم فقيرًا فليعمل وليكتسب، ولا معنى لأن تنفق الأموال العامة على الفارغين والمتبطلين. وقد أجابهم عثمان إلى ما طلبوا، وخطب الناس فقال لهم: من كان له زرعٌ فليلحق بزرعه، ومن كان له عملٌ فليكتسب من عمله؛ فليس لأحد عندنا عطاء إلا أن يكون من الذين قاتلوا على هذا الفيء أو من هؤلاء الشيوخ من أصحاب رسول لله. "

طه حسين , عثمان

4 " وأنكر المسلمون على عثمان موقفه من ناقديه ومعارضيه؛ فهو قد انحرف عن سيرة عمر في ذلك انحرافًا عظيمًا؛ فعمر لم ينهَ عماله عن شيء كما نهاهم عن أن يستعبدوا الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا، ولم يحذِّرهم من شيء كما حذَّرهم من العنف بالرعية
والاعتداء على أبشارها وأشعارها. فلم يكن عمر إذن يبيح ضرب الناس إلا في الحدود،
ولم يكن يعفي عماله من القصاص إن تعدَّوا على الرعية بالضرب في غير حدٍّ أو في غير حق من الحقوق. فأما عثمان فمهما يكن اعتذار أهل السنة والمعتزلة عنه، فإنه قد أسرف
وترك عماله يسرفون في العنف بالرعيةضربًا ونفيًا وحبسًا. وهو نفسه قدضرب أو أمر
بضرب رجلين من أعلام أصحاب النبيِّ:ضرب عمار بن ياسر حتى أصابه الفتق، وأمر من أخرج عبد لله بن مسعود من مسجد النبي إخراجًا عنيفًا حتى كسر بعض أضلاعه.
ومهما يكن من أمر هذين الرجلين الجليلين ومِن نقدهما له وتشهيرهما به وتشنيعهما
عليه، فما نعلم أنه حاكمهما أو أقام عليهما الحجة أو أباح لأحد منهما الدفاع عن نفسه، وإنما سمع فيهما قول عماله أو قول خاصته، ثم عاقبهما دون أن يقيم عليهما البينة، وليس له من هذا كله شيء.
ويقول المدافعون عن عثمان من أهل السنة والمعتزلة: إن للإمام حق التعزير. وليس
في ذلك شك، ولكن بشرط أن يأتي المسلم من الأمر ما يستحق عليه التعزير، وأن يقال
له ويسمع منه وتقوم عليه البينة. وما نعرف أن عثمان حاكم عمارًا أو ابن مسعود.
وهو نفسه قد شق على أبي ذرٍّ حتى نفاه أو اضطره إلى أن ينفي نفسه من الأرض؛ لا لشيء إلا لأنه أنكر سياسته في الأموال العامة، وأنكر النظام الاجتماعي الذي أنشأ طبقةالأغنياء، وأتاح لهم أن يكنزوا الذهب والفضة، ويستكثروا من المال إلى غير حد. ثم هو قد أذن لعماله أن يخرجوا الناس من ديارهم كلما آنسوا منهم بعضما يكرهون، فجعل عماله يتقاذفون فريقًا من أهل الكوفة، يرسلهم سعيد إلى معاوية، ثم يردُّهم معاوية إلى سعيد، ثم يرسلهم سعيد إلى عبد الرحمن بن خالد، دون أن يحاكموا أو تقوم عليهم البينة أو يسمع منهم دفاعهم عن أنفسهم. وأذن لعبد لله بن عامر في أن ينفي عامر بن عبد القيس إلى الشام، فلم يكد معاوية يراه ويسمع منه حتى تبين أنه مظلوم مكذوب عليه، وأراد أن يردَّه إلى البصرة فأبى. واجترأ عبد لله بن سعد بن أبي سرح على أن يضرب بعض الذين شكوه إلى الإمام حتى انتهى بأحدهم إلى الموت، واضطرَّ المهاجرون والأنصار وأزواج النبي إلى أن يلحوا على عثمان في أن ينصف المصريين من عاملهم، فهمَّ
ثم لم يبلغ ما أراد. فهذه السياسة العنيفة التي تسلط الخليفة وعماله على أبشار الناس وأشعارهم، وعلى أمنهم وحريتهم، ليست من سيرة النبي ولا من سيرةالشيخين في شيء. وقد اجترأ بعض الناس على نقد النبي نفسه، حتى قال له: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل. مرة
«!؟ ويحك! فمن ذا يعدل إذا لم أعدل » : ومرة. فلما قالها الثالثة لم يزد النبي على أن قال وهمَّ المسلمون أن يبطشوا بهذا الرجل، ولكن النبي كفهم عن ذلك. وقد يقال إن المسلمين أحدثوا في أيام عثمان أحداثًا لم تكن، فسار فيهم سيرة تلائم هذه الأحداث. وهذا بالضبط وقد أحدثتم أحداثًا لم تكن، وقد أحدثنا لكل ذنب » : شبه ما قال زياد لأهل العراق وغريب أن تذكرنا سياسة عثمان ووُلاته سياسة زياد مرتين. «. عقوبة والآن وقد استعرضنا هذه الأحداث وآراء المتكلمين فيها، فقد نستطيع أن نستقبل الفتنة منذ حدثت، ونعرضها كما كانت إلى أن انتهت إلى المرحلة الأولى من مراحلها، وهو هذا الحدث العظيم الذي قتل فيه الإمام عنوة لا اغتيالًا. "

طه حسين , عثمان

9 " الذى ليس فيه شك هو أن ظروف الحياة الإسلامية فى ذلك الوقت كانت بطبعها تدفع إلى اختلاف الرأى وافتراق الأهواء ونشأة المذاهب السياسية المتباينة. فالمستمسكون بنصوص القرآن وسنة النبى وسيرة صاحبه كانوا يرون أموراً تطرأ ينكرونها ولا يعرفونها، ويريدون أن تواجه، كما كان عمر يواجهها، فى حزم وشدة وضبط للنفس وضبط للرعية. وللشباب الناشئون فى قريش وغير قريش من أحياء العرب كانوا يستقبلون هذه الأمور الجديدة، فيها الطمع وفيها الطموح، وفيها الأثرة وفيها الأمل البعيد، وفيها الهم الذى لا يعرف حداً يقف عنده، وفيها من أجل هذا كله التنافس والتزاحم لا على المناصب وحدها بل عليها وعلى كل شئ من حولها. وهذه الأمور الجديدة نفسها كانت خليقة أن تدفع الشيوخ والشباب إلى ما دفعوا إليه. فهذه أقطار واسعة من الأرض تفتح عليهم، وهذه الأموال لا تحصى تجبى لهم من هذه الأقطار، فأي غرابة في أن يتنافسوا في إدارة هذه الأقطار المفتوحة، والانتفاع بهذه الأموال المجموعة؟ وهذه بلاد أخرى لم تفتح، وكل شئ يدعوهم إلى أن يفتحوها كما فتحوا غيرها، فما لهم لا يستبقون إلى الفتح؟ وما لهم لا يتنافسون فيما يكسبه الفاتحون من المجد والغنيمة إن كانوا من طلاب الدنيا، ومن الأجر والمثوبة إن كانوا من طلاب الآخرة؟ ثم ما لهم جميعا لا يختلفون في سياسة هذا الملك الضخم وهذا الثراء العريض؟ وأي غرابة في أن يندفع الطامحون الطامعون من شباب قريش من خلال هذه الأبواب التي فتحت لهم ليلجوا منها إلى المجد والسلطان والثراء؟ وأي غرابة في أن يهم بمنافستهم في ذلك شباب الأنصار وشباب الأحياء الأخرى من العرب؟ وفي أن تمتلئ قلوبهم موجدة وحفيظة وغيظا إذا رأوا الخليفة يحول بينهم وبين هذه المنافسة، ويؤثر قريشا بعظائم الأمور، ويؤثر بني أمية بأعظم هذه العظائم من الأمور خطرا وأجلها شأنا؟ "

طه حسين , عثمان