Home > Work > توأم السلطة والجنس
1 " منذ أكثر من عشرين عامًا كنت عضوة في لجنة القصة في المجلس الأعلى للفنون و الآداب، و كان رئيس اللجنة توفيق الحكيم، يتولى أحد الأدباء توصيله إلى المنزل بعد انتهاء عمل اللجنة و في يوم غاب هذا الأديب عن الحضور، و رأيت توفيق الحكيم واقفًا في الشارع، مستندًا إلى عصاه ينتظر تاكسي.و فتحت له باب سيارتي و قلت : "تفضل يا أستاذ توفيق سأوصلك إلى بيتك".و صاح توفيق الحكيم قائلًا: " أستغفر الله العظيم لا يمكن أن أركب وحدي مع امرأة في سيارة"!و قلت له: ليه يا أستاذ؟ فقال ضاحكًا: الشيطان يا دكتورة!و قلت له: أنا قهرت الشيطان فقال: لكني لم أقهره! "
― Nawal El Saadawi , توأم السلطة والجنس
2 " ما هو مقياس الشرف أو الأخلاق عند الرجال؟إذا كان شرف الفتاة يعاد بمشرط الجراح فكيف يعاد للرجل شرفه؟ما هو مقياس الشرف أو الأخلاق عند الرجال؟ألهذا السبب(غياب المقياس) ينتشر الفساد الأخلاقي في العالم غربًا و شرقًا و شمالًا و جنوبًا،حتى أن أكبر رئيس دولة في العالم يمارس هذا الفساد الأخلاقي، مع ذلك لا يسائله الدستور في بلاده!ألهذا السبب أيضًا ينتشر الفساد السياسي و الاقتصادي و تنتشر الازدواجية و الكيل بمكيالين في القوانين الدولية و غير الدولية؟إن قضية تحرير المرأة في أي بلد في العالم ( و منها بلادنا ترتبط بجوهر الأخلاق و عدم الفصل بين السلوك الخاص للرجل و سلوكه العام)إن قضية تحرير المرأة في بلادنا العربية لا تعني التشبه بالغرب كما يتصور بعض الناس، و لكنها تعني القضاء على الازدواجية الأخلاقية و السياسية معًا،إنها تقتضي تغيير المفهوم السطحي لمعنى الشرف أو الأخلاق،ليشمل سلوك الرجل بمثل ما يشمل سلوك المرأة، و لا يكون مجرد صفة تشريحية أو بيولوجية تولد بها الأنثى أو لا تولد بها (30% من البنات يولدن بغير غشاء). "
3 " و قال لي أحد رجال الدين ذات يوم أن الزوجة التي تمنع نفسها عن زوجها لا تدخل الجنة.إن واجب المرأة الزوجي أو الجنسي مفروض عليها بأمر الله سبحانه و تعالى.إن المرأة يجب أن تلبي رغبة زوجها في أي وقت من النهار أو الليل، لأن رغبة الرجل الجنسية غير قابلة للتأجيل أو الكبت، و الزوجة التي تشبع رغبة زوجها لها ثوابها عند الله،فهي تحمي النظام من الخلل، و تفرغ عقل الرجل من الجنس فيتفرغ لعبادة الله و خدمة الدين، و لا شيء يدمر علاقة الرجل بالله إلا المرأة العاصية لزوجها.إن طاعة المرأة لزوجها هو الأساس الذي يقوم عليه الدين و علاقة الله بعبيده من الرجال. "
4 " في بلادنا يقول بعض الرجال ( منهم نزار قباني ) أن السياسة تفسد جمال المرأة و تحولها إلى حيوان سياسي مثل الرجل يشتهي السلطة و المال و العنف، إلا أنهم يعيبون على المرأة العربية تقاعسها عن الانخراط في الحياة العامة السياسية، فإذا سمعت المرأة كلامهم و انخرطت في السياسة أصبحت في نظرهم بلا جمال و بلا أنوثة.أليس هذا هو أحد تناقضات المجتمع الطبقي الأبوي؟! "
5 " في الستينات كنت طبيبة شابة أفحص الرجال و النساء، يخلع الرجال ملابسهم أمامي دون حرج، لا يشغلني إلا الطب و تشخيص المرض، و لا يشغلهم إلا الرغبة في الشفاء و النهوض، و اليوم بعد مرور ستة و ثلاثين عامًا أرى طبيبات يخفين رؤوسهن بالحجاب خوفًا من الفتنة، أو خوفًا من عذاب القبر، و تسألني إحدى الطبيبات الشابات في أسرتي:هل تعرية الرجل المريض أمام المرأة الطبيبة حلال أم حرام؟!سؤال لم يخطر على بالنا نحن الطبيبات منذ أربعين عامًا!ما الذي أفرغ عقول الطبيبات من الطب و العلم و ملأها بالخيالات المريضة عن الشهوات الجامحة؟و الانشغال بذكورة الرجل حتى و هو في النزع الأخير؟! و قالت لي الطبيبة الشابة من أسرتي: الشيطان يا دكتورة! "
6 " لم يكن سهلًا إثبات أن المرأة تمتلك الروح و العقل مثل الرجل، مع أنها بديهية، لم يكن سهلًا إدراج حقوق المرأة ضمن حقوق الإنسان حتى يومنا هذا، فالإنسان في اللغة أصبح مذكرًا، يرمز إلى الرجال فقط أما النساء فهن الجنس الآخر، بلا عقل أو روح ، أو ناقصات العقل و الروح. "
7 " هناك علاقة بين الإبداع و الغضب بشرط ألا يتحول الغضب إلى الداخل لتدمير الذات.إن الصمت عن الإهانة هو نقيض الإبداع. إن الانتظار الطويل دون عمل نوع من العبودية، إن الإبداع لا يكون إلا في جو من الحرية بحيث يعبر الإنسان عن نفسه دون خوف. "
8 " و من المعروف أنني من أشد المدافعين عن حقوق المرأة في بلادنا، إلا أنني لا أميل إلى تمجيد المرأة لأسباب بيولوجية كما لا أميل إلى تحقيرها لأسباب بيولوجية أيضًا، إن المرأة ليست ملاكًا طاهرًا و ليست شيطانًا ماكرًا أو لغزًا غامضًا، المرأة إنسان كامل الأهلية مثل الرجل و يحق لها أن تكون مسئولة عن حريتها بمثل ما يكون الرجل مسئولًا عن حريته سواء في حياته الزوجية الخاصة أو في حياته السياسية و العلاقات الدولية.و لا بد أن ينص الدستور في أي دولة على هذه المسئولية الأخلاقية و السياسية في آن واحد. "
9 " ذكرتني هذه الفتاة المصرية برجل من إيران، التقيت به في أحد المؤتمرات الدولية الأخيرة في سويسرا، كان يرأس وفدًا كبيرًا من النساء الإيرانيات المختفيات تحت الشادور الأسود، حين مددت له يدي لأصافحه شد عباءة فوق يده يغطيها قبل أن يصافحني.و سألته: لماذا تغطي يدك يا أستاذ؟فقال: أخاف الشيطان!فقلت له: أنا قهرت الشيطان يا أستاذ و أصافح الرجال دون أن يحدث لي شيء.فقال رئيس الوفد النسائي الإيراني: و لكني لم أقهر الشيطان بعد!و لعل هذه هي مأساة هؤلاء الرجال الذين ملأوا رؤوس النساء بالخيالات الجنسية ليل نهار، فلا تكاد الواحدة منهن تكشف عن طرف إصبعها أو خصلة من شعرها حتى تتصور أن رجال العالم سوف يهجمون عليها، و الحقيقة المؤلمة أن رجال العالم مشغولون عنها بما هو أهم، اللهم إلا هذا النوع من الرجال، مثل رئيس وفدها الذي لم يقهر الشيطان بعد، و ما أن تلامس يده أي امرأة في المصافحة العابرة حتى تشتعل خيالاته الجنسية. "
10 " من سمات عصر ما بعد الحداثة أن القادرين على القراءة هم الأساتذة فوق الستين أو السبعين، و هم لا يقرأون إلا لأنفسهم و لا يفهمون ما يكتبون، ينقلون عن الأساتذة المشهورين في أمريكا و أوروبا بكل فخر و شموخ. "
11 " ربما وقع بيل كلينتون في مصيدة مونيكا، أكثر مما وقعت هي في مصيدته و كم تتفوق المرأة أحيانًا في الفساد و القسوة و العنف عن الرجال، لهذا أنا لا أوافق على تلك الفكرة التي يروج لها بعض المفكرين و منهم " فرانسيس فوكاياما" الياباني الأمريكي، الذي يقول أن الحروب أو العنف سيقل في المستقبل بسبب تولي المرأة السلطة، و يسمي ذلك "تأنيث المستقبل" أي أن سيادة النساء على مقاليد السلطة في الدول سوف يحمي العالم من الحروب.هذه الفكرة ليست جديدة بل قديمة منذ نشوء النظام الطبقي الأبوي، الذي صور الحروب كأنما هي نتاج الطبيعة البيولوجية للذكور أو زيادة نسبة هرمون الذكورة التسترون، و الهدف معروف إخفاء الأسباب الحقيقية للحروب و هي الصراعات على الأرض و الأموال و زينات الحياة الدنيا.و عندنا أمثلة كثيرة لنساء صعدن إلى السلطة فلم يتقدم النظام السياسي الطبقي الأبوي خطوة واحدة، بل ربما عاد إلى الوراء عدة خطوات، و هل ننسى ماذا فعلت مارجريت تاتشر، لقد كانت أكثر عنفًا من أعتى الرجال، و في عهدها فقدت النساء الكثير من حقوقهن و اشتدت المعاناة الاقتصادية على الشرائح الفقيرة في المجتمع الإنجليزي،و هل كانت مادلين أولبرايت ذات رقة و سلاسة؟! و هل كانت جولدا مائير أقل عنفًا من غيرها من الرجال؟! "
12 " و أعود إلى الوطن لأجد الداء قد تسرب إلى بلادنا عبر أجهزة الإعلام و الصحف، و المجلات النسائية الجديدة ذات الورق الثمين المصقول، و الإعلانات عن قصور الجمال الحديثة يسمونها " بيوتي بالاس" تحت عناوين من نوع : رحلة نجاح في عالم الجمال، و هي ليست إلا رحلة عذاب في عالم الخداع و الوهم. يلعب هذا الإعلام دورًا خطيرًا في تحول النساء إلى مخلوقات غبية تؤمن بما يسمى اللف للتخسيس أو التنحيف، تشتري بقوتها و قوت أطفالها المساحيق المستوردة، تلطخ بها وجهها، تشتري السوائل أو الأعشاب البحرية المستوردة أيضًا، توزعها فوق جسدها و أعضائها و تلف بالأربطة الخاصة ، تحرك جسمها داخل أجهزة كهربية أو الكترونية مستوردة، بأمل إذابة الدهون، و يقول لها الإعلان: تنهضين من تحت الجهاز بعد ساعة واحدة رشيقة مثل غصن البان بعد أن كنتِ مثل كيس البطاطس!و الأخطر من ذلك ما يسمونه "التاتو" أو المكياج الذي يحقن في وجه المرأة تحت الجلد و يعيش عشر سنوات!انظروا معي جريدة الأهرام في 13 إبريل 1996 ص 24، صفحة الرشاقة و الجمال، إغراء للنساء لاستخدام "التاتو" إنه نوع من الوشم، تستخدم فيه أجهزة تعمل بأشعة الليزر، لقطع جفون المرأة أو الشفاه لتكون أصغر حجمًا، و حقن الجلد بمواد تلوين مصنوعة في المعامل الكيماوية تستخدم فيها صبغات و محاليل خطيرة، قد تسبب أنواعًا مختلفة من الأمراض الجلدية منها السرطان، مع الألم و العذاب و ضياع فلوس المرأة و وقتها الثمين ، حتى المرأة الفقيرة الكادحة تستدين لتشتري في أذنها قرطًا أو تعمل التاتو.يحدث كل ذلك في بلادنا تحت اسم الحداثة و الجمال، و ما بعد الحداثة، و اللحاق بالعصر، و حرية المرأة، و السوق الحرة، و تشجيع البضائع المستوردة و الاستهلاك. "
13 " النساء أول الضحايا_لأنهن الأدنى_و الأضعف_و الأجهل. "
14 " إن السلطة المطلقة داخل الأسرة تجعل الرجل هو الآمر الناهي و المرأة هي المطيعة متلقية الأوامر. و في هذا الجو الدكتاتوري يتربى الأطفال و يكبرون.يقلد الأبناء منهم الآباء، و تقلد البنات منهن الأمهات.و لا يمكن بعد ذلك تحقيق الديمقراطية في المجتمع.فالديمقراطية ليست عضوًا ينبت فجأة تحت قبة البرلمان بواسطة قرار، و لكنها سلوك ينتهجه الإنسان منذ الطفولة و في جميع مراحل العمر و هل يمكن أن نعرف الديمقراطية في حياتنا السياسية العامة إذا لم نعرفها في حياتنا الشخصية الخاصة؟إذا كانت بيوتنا و مدارسنا غير ديمقراطية فهل يمكن أن يكون البرلمان ديمقراطيًا؟كما أن السلطة المطلقة تفسد الإنسان لأنها تفصل بين المسئولية و القوة. إن سلطة الرجل المطلقة في الطلاق و تعدد الزوجات تشجعه على عدم الإحساس بالمسئولية تجاه زوجته و أطفاله،فإذا به قادر على إنهاء الزواج في لحظة غضب أو لمجرد نزوة طارئة. "
15 " إن جوهر الشرف الإنساني يتعلق برأي الإنسان الرجل و المرأة، بالعقل و التفكير و المبادئ و القدرة على الدفاع عن العدل و الحرية، حينئذ يفقد الرجل شرفه إذا كذب أو نافق أو دافع عن الظلم و القهر، و بالمثل أيضًا تفقد المرأة شرفها إذا كذبت أو نافقت أو دافعت عن الظلم و القهر. "
16 " إن شرف الإنسان واحد و الأخلاق واحدة، لابد أن تكون مقاييسها واحدة و إلا انعدمت الأخلاق هذا هو الأساس الأول في عالم الأخلاق،"وحدة المقاييس" بصرف النظر عن اللون أو الجنس أو الطبقة أو العرق أو العقيدة.القانون الأخلاقي لابد أن يسري على الجميع دون التفرقة بين رئيس و مرءوس، أو بين رجل و امرأة، أو بين فقير و غني، أو بين أبيض و أسود، أو بين المسلم و غير المسلم.هذا هو جوهر الأخلاق و جوهر الشرف الذي هو غائب حتى اليوم في بلاد العالم و في بلادنا. "
17 " أما أخطر السلطات فهي السلطة داخل الأسرة، في البيت، حين يصبح من حق الرجل أن يمنع المرأة من الخروج أو العمل و يفرض عليها الحجاب.لقد انتشرت ظاهرة تحجيب النساء في السنين الأخيرة، و هي دليل على ترابط السلطة السياسية مع السلطة الدينية، تدعمها السلطة التعليمية و الإعلامية، و أصبح مألوفًا أن نرى على شاشة التليفزيون الرسمي المملوك للحكومة هذا الشيخ الإسلامي الوقور الذي يشجع النساء على التحجب درءًا للفتنة و حفاظًا على الأخلاق، تعقبه على الفور راقصة شبه عارية يتلوى جسدها بحركة إغراء جنسية، إعلانًا عن بضاعة أمريكية جديدة أو سلعة مستحدثة من منتجات الشركة متعددة الجنسيات.تحتاج القوى الدولية الاستعمارية الجديدة إلى ترويج بضائعها في العالمي و فتح مزيد من الأسواق، و خلق أنماط جديدة من الاستهلاك و من هنا يلعب الجنس دوره في تنشيط الاستهلاك لدى النساء و الرجال و إثارة غرائز الشباب من الجنسين عن طريق أفلام الجنس وسط المراهقين و المراهقات المحرومين و المحرومات من العلاقات الجنسية الصحية السليمة.لقد نجحت العولمة الاقتصادية الدولية في تخريب عقول الشباب و الشابات في المدن و القرى، خاصة الفتيات اللائي يصبحن ضحايا الاغتصاب الجنسي، أو يتمزقن بسبب التناقض بين القيم الدينية التي تفرض عليهنّ التغطية، و القيم التجارية و الاستهلاكية التي تفرض عليهن التعرية أو الكشف عن أفخاذهن في الثياب الحديثة، و في قريتي على ضفاف النيل أصبح مألوفًا أن تتأرجح الفتاة الريفية الفقيرة على الكعب العالي، الذي ينغرز في حفر الشوارع الزراعية أو أكوام السباخ، و أن تغسل شعرها بالشامبو الأمريكي بدلًا من الصابون المصري، و على ساحل البحر الأبيض المتوسط في الإسكندرية و غيرها من المدن الساحلية أصبح مألوفًا أن نرى امرأة تسبح في البحر و هي مرتدية الحجاب حول رأسها و الجلباب أو السروال الطويل و القفازات السوداء في يديها. "