Home > Work > عمرو بن العاص
1 " فكانت نظرته إلى الدنيا نظرة معروفة الموارد والمصادر، ولم تكن تلك النظرية الخيالية التي يتَّسم بها أصحاب الحماسة والأحلام من ذوي الطموح. "
― عباس محمود العقاد , عمرو بن العاص
2 " والبطون القرشية كثيرة، تتفاوت في الضعف والقوة، والقلة والكثرة، ولكن البطون التي انتهى إليها الشرف — كما قال النسابة الكلبي — عشرة، اتصل شرفها في الجاهلية والإسلام، وهم: هاشم، وأمية، وعبد الدار، وأسد، ومخزوم، وعدي، وجمح، وسهم. "
3 " فالحكم الذي يختارونه — على هذا — إنما يكون على خصلة من خصلتين: رجل يأنسون إلى عدله وإنصافه، أو رجل يأنسون إلى لباقته وحيلته وحسن بصره بمواقع الأهواء وذرائع الإرضاء. والثاني ببني سهم أشبه وأمثل؛ لأنهم لم يشتهروا بالعدل والإنصاف، "
4 " إلا أن المغمز الذي كان يؤلمه من نسبه إلى أمه قد كان له من قوة الأثر في تكوين فكره وتوجيه نفسه ما يعدل الوراثة، أو يزيد. فاحتياجه إلى مداراة هذا المغمز، والغلبة على من يفاخرونه بكرم الأمومة، هو الذي أغراه فبالغ في إغرائه بالمال والرئاسة. "
5 " ولا شك أن الألم من ذلك المغمز في نسبته إلى أمه كان من أشد الحوافز النفسية تغلغلًا في سريرته، وأصلحها لتفسير ميوله وبدواته ومنها الحسن والمفيد. "
6 " وكان سعيه إلى الرئاسة والمال باديًا منه في الإسلام كما بدا منه في الجاهلية، فلم يعرف له موقف قط نزل فيه عن الرئاسة باختياره. "
7 " «أبلغ الناس من كان رأيه رادًّا لهواه، وأشجع الناس من ردَّ جهله بحلمه.» "
8 " مسلم لا شك في إسلامه، ولا شك في طبعه، ولا شك في اختلاف الطبائع بين المعتقدين جميعًا في كل دين من الأديان ورأي من الآراء. "
9 " فكراهة القبط للروم ثابتة لا جدال فيها ولا يتطرق الشك إليها، "
10 " «إنه لا سلطان إلا برجال ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمارة ولا عمارة إلا بعدل.» "
11 " وعلى هذا تكون السنة التي رجحنا ولادة عمرو فيها هي أقرب التواريخ إلى المعقول، ويكون عمرو قد جاوز الثمانين بسنوات ولم يرتفع إلى المائة؛ لأنه عاش بعد عمر عشرين سنة، وولد قبله بسبع سنين، فإذا كانت سن عمر عند وفاته حوالي الستين فقد عاش عمرو بن العاص إلى قريب من السابعة والثمانين. "
12 " التعريف بنشأة عمرو بن العاص، تمهيد لازم للتعريف بصفاته وطباعه، والتعريف بهذه الصفات والطباع تمهيد لازم للتعريف بأعماله ومساعيه؛ لأن الأعمال والمساعي لن تفهم على حقيقتها إلا بفهم الطباع التي توحيها والنيات التي تسبقها والغايات التي ترمي إليها، وقد تتشابه الأعمال والمساعي في ظاهر الأمر وهي في الحقيقة مختلفة أشد اختلاف، مفترقة كما يفترق الخير والشر أو تفترق الرفعة والضعة، وإنما مناط ذلك كله بالفرق بين باعث وباعث، والاختلاف بين نية ونية. "
13 " وفي حديث آخر أنه دخل يومًا على معاوية، وقد كبر ودق ومعه مولاه وردان، فتذاكرا الأيام واستطرد عمرو سائلًا: يا أمير المؤمنين ما بقي مما تستلذه؟ قال معاوية: «أما النساء فلا أرب لي فيهن، وأما الثياب فقد لبست منها حتى وهى بها جلدي، فما أدري أيها ألين، وأما الطعام فقد أكلت من لبنه وطيبه حتى ما أدري أيه ألذ وأطيب، وأما الطيب فقد دخل خياشيمي منه حتى ما أدري أيه أطيب … فما شيء ألذ عندي من شراب بارد في يوم صائف، ومن أن أنظر إلى بنيَّ وبني بنيَّ يدورون حولي … فما بقي منك يا عمرو؟!» فقال: «مال أغرسه فأصيب من ثمرته وغلته!» وقد اشتهر منه هذا الحب للمال حتى عرضه لظنون الخلفاء "
14 " فالإسلام لا يمنع اختلاف الطبائع وأساليب التفكير، ولا يستلزم أن يكون طريق الناس إلى فهم العقيدة واحدًا لا تفاوت فيه. ومن المستحيل أن يكون الرجل مطبوعًا على الحيطة دون أن يكون لذلك الطبع أثر في إسلامه، أو يكون مطبوعًا على الشك والتردد ثم يخلو منها ساعة تفكيره في التدين والاعتقاد، أو يكون شجاعًا ويسلم إسلام الجبان، أو جبانًا ويسلم إسلام الشجاع …! فإذا أسلم رجل كما ينبغي لطبعه وخلقه، فقد أسلم إسلامه الصحيح، ولا عجب أن يخالفه آخرون في دواعيهم التي جذبتهم إلى الإسلام، فإنما العجب أن يتفق الناس وهم مطبوعون على اختلاف! "
15 " عمرو في وصف مصر: «أن نيلها عجب وترابها ذهب، وأمراءها جلب، وهي لمن غلب.» فإنه لم يأخذها قط بسلطان الغلبة والرهبة، ولم يشرع فيها شرعة إلا كان رائده فيها الرفق والمودة. "
16 " لقب «الخديو» أشبه الأشياء بلقب «المقوقس» في أواخر عهد الدولة الرومانية، فهو وال وأكثر من وال في المنزلة السياسية، وهو ولي الأمر بالنيابة عن الخليفة أمير المؤمنين، وباسمه تقام الأحكام الشرعية والإدارية في ظل شاهنشاه، وخليفة الإسلام. "
17 " وحكم «الدور التاريخي» بعد كل فرض وتأويل هو إيجاد رجل بالصفة التي وصف بها المقوقس، واللقب الذي أطلق عليه: رجل ذو وجاهة لا تتوقف على بقاء دولة الرومان في البلد، ورجل يخاطب في أمر مصر بمعزل عن عاهل القسطنطينية، ويعرف من أعمال الخراج ما تتولاه الدواوين المصرية قبل أن يتولاها الفاتحون، ورجل ترضيه الدولة بالألقاب التي لم تتعود أن تخلعها على أبنائها، ولم يعهد في التاريخ أن دولة أجنبية منحتها أحدًا غير الزعماء الوطنيين تعويضًا لهم عن سيادة الحكم والسلطان. "
18 " وهذا المقوقس قد وجد بصفاته اللازمة عقلًا وعملًا، فلماذا نحتال على الشك فيه؟ إن صفاته هذه تعيننا على تصحيح كل صفة وكل شخصية في زمانه، فمن لم يكن صالحًا لهذا «الدور»، فلا يمكن أن يكون هو المقوقس المشهور، وليكن بعد ذلك من كان! "
19 " فالذين أسلموا بعد الفتح إنما أسلموا طوعًا غير مكرهين على ترك مذهب ولا نِحْلة، وهم على رواية يوحنا النخيوي طائفة الملكيين الخلقيدونيين ومن يشبهها من الطوائف التي لا تقول بالطبيعة الواحدة! ويضاف إليهم أناس من الذين فهموا من انتصار المسلمين على الفرس والروم أنه آية إلهية وبرهان من السماء على صحة الدين وسلامة الدعوة، ويضاف إليهم أناس ممن هان عليهم أمر التدين في محنة الشقاق ومحنة الأخلاق، فلم يبالوا على أي دين أصبحوا بعد الشك والريبة، ثم فضلوا الدين الذي يعتقده ولاة الأمر وحكام البلاد! ولا تفسير للحالة الدينية أيام الفتح أصح من هذا التفسير. "
20 " راجع فتوح الإسلام وعجب لاتفاق فتح خراسان وفتح مصر في وقت واحد، ثم كان من تفسيراته لهذا الفتوح «أنها رد فعل على الحكم الروماني الذي أرهق المصريين بالضرائب الثقيلة، وحجر على عقيدة القبط الدينية». "