Home > Work > قصة الفلسفة الحديثة
1 " ثم ما هذا التشاؤم كله من الحياة؟ أليس في التشاؤم كثير من الانانية؟ أو كلما تبرم الإنسان بنفسه انقلب الى الكون بأسره فألقى عليه التبعة؟ لقد نسينا اذن ما ارشدنا اليه سبينوزا من أن ما نحس به نحن من سخط ومن غضب أحكام بشرية، نخطئ غالبا إذا طبقناها على العالم، فلربما كان كرهنا للعالم هو كره لأنفسنا قد تنكر و استخفى؛ فما ينبغي أن تكون الإساءة منا ، ثم نقذف بالتهمة جزافا على البيئة او على العالم اتكالا منا على ان البيئة او العالم صامتان ليس لهما ألسنة يدافعان بهما عن نفسيهما. . . إن الرجل السليم المعافى ذا العقل الناضج الرشيد، ليقبل الحياة بما فيها من قيود، لأنه لا يتوقع من السماء ان تكون خادما طيعا رهن اشارته، و هو يعلم أنه من حمق الرأي - كما يقول كارليل - ان نلعن الشمس لأنها لا تشعل لنا ( السجائر) حينما نريد منها ذلك، و مع ذلك فلعلها فاعلة لو اوتينا العلم و الذكاء، فلقد ينقلب هذا الكون الفسيج الى ميدان لذة و سعادة اذا نحن عاوناه بشيء من الإشراق في نفوسنا . . . و على كل حال فليس العالم صديقا لنا كما أنه ليس بعدونا، فما هو الا مادة اولية في ايدينا، تكون منه الجنة او يكون منه الجحيم حسب ما تكون عليه نفوسنا. "
― زكي نجيب محمود , قصة الفلسفة الحديثة
2 " لغة الانجيل قد جاءت و كلها مجازات و استعارات، و هذا التزويق البياني متعمد فيه، اولا بسبب النزعة الشرقية الى الادب الرفيع و ميله الى تزويق اللفظ، و ثانيا لان الانبياء و القديسين لا بد لكي يحملوا الناس على اعتناق مذاهبهم ان يثيروا الخيال، ولذا تراهم يبذلون و سعهم لطبع أنفسهم و كتبهم بطابع الشعب الذي يعيشون فيه (( فقد كتب كل كتاب منزل لشعب بعينه اولا، وللجنس البشري كله ثانيا، فيجب اذن ان يلائم ما فيه عقلية الشعب ما وجد السبيل الى ذلك)). إن الكتب المنزلة لا تفسر الاشياء بأسبابها، ولكنها ترويها باسلوب يؤثر في نفوس الناس و خاصة جمهورهم، لكي تحملهم على التفاني في العقيدة ( فليس موضوع الكتاب المنزل اقناع العقل، بل جذب الخيال و السيطرة عليه ) و لهذا يكثر فيه ذكر المعجزات "