Home > Work > إيران من الداخل
1 " في إيران يصبح الخيار الإسلامي أكثر إلحاحًا فحيث تعددت الأصول العرقيّة فإن الإسلام يلعب دور "الجامع المشترك الأعظم" .. هنا يكتسب الإسلام أهمية مضاعفة إذ لايقف تأثيره فقط عند كونه "الردّ" في معرك التحدي الحضاري ولكنه أيضًا "الهوية" التي يعتصم بها الناس في مواجهة التجزئة والتفتت ..و الثورة لم يكن من أهدافها أن تحررّ المستضعفين من ظلم الشاه لتلقي بهم في أتون الحرب؛ وأن هؤلاء المستضعفين أيّدو الثورة لكي يتبوءوا مكانهم في الدنيا بعد طول مذلّة وانسحاق وليس لكي ينتظموا في قوافل إلى الآخرة حتى وإن رست بهم على أبواب الجنة . "
― فهمي هويدي , إيران من الداخل
2 " و سيظل عسيرا على العالم العربي ، أن يستوعب مدى تعلق أعاجم المسلمين بدينهم ، ما لم يدرك حقيقة المشاعر الجياشة التي تعمل بين جنبات تلك الملايين المؤمنة . المبعثرة بين "غانه وفرغانه" بتعبير الجغرافيين العرب القدامى ، أولئك الذين تلقوا الإسلام منذ قرون ، ثم تقطعت بيننا و بينهم السبل ، بعد إذ تغيرت خرائط التاريخ و أقيمت حوائط الجغرافيا . لكنهم ظلوا قابضين على الجمر . قلوبهم تتحرق شوقا إلى وصل ما انقطع مع ديار الإسلام ، و أحلامهم العطشى - و أبصارهم - تعلقت بالعالم العربي . الذي هو عندهم منبر الإسلام و بيته ، و فيه كعبة المسلمين و قبلتهم . "
3 " شهدت بداية الستينيات اتجاه الشاه إلى اتباع سياسة تصفية العناصر والتيارات السياسية التي عارضته ووقفت بجوار الدكتور محمد مصدق في مواجهته الشهيرة للشاه وأسرته عام 1952 وتلك كانت المهمة الاساسية التي انيطت بجهاز الشرطة السرية (الساواك) الذي أنشأه الشاه عام 1953 (الكلمة اختصار لعبارة "سازمان اطلاعات وأمنيت كشور" أي منظمة المخابرات وأمن الدولة، ثم توالت الضربات المتلاحقة التي أصابت اليسار الايراني ممثلا بحزب توده المركسي. إذ تم اعتقال اعداد ضخمة من أعضائه قدرتهم مصادر الحزب بحوالي 5000 عضو، بينهم 40 اعدموا، و14 ماتو تحت التعذيب، واكثر من 200 حكم عليهم بالسجن المؤبد "
4 " إذا أردتم أن تكونوا مستقلين، وأن تعترفوا بأنكم شعب بذاته، فعليكم أن تخرجوا من تقليد الغرب، إذا بقيتم مقيدين ومقلدين فلا تتمنوا الإستقلال "
5 " ما أن أطلت الخمسينيات حتى ظهرت على الساحة منظمة "فدائيان إسلام" بقيادة أحد الفقهاء الشبان وهو "نواب صفوى" معلنة الكفاح المسلح ضد الشاه وبطانته في صحيفتها الشهيرة "منشور برادري" أو نشرة الاخوة وكتابها الأساسي "بيان فدائيان إسلام" أو دليل الحقائق. في ذلك الكتاب الذي طبع سنة 1950 يقول نواب صفوي صراحة : إيران ببركة الحكومة الخائنة انتشر فيها الفقر والمرض والجهل، وهاهم أبناء الشعب يصرخون ويستغيثون ولكن الحكومة الظالمة ورجالها اللصوص لا يسمعون أصواتهم- أيها المجرمون الخونة إيران دولة إسلامية وأنتم لصوص وغاصبون للحكومة الإسلامية. ولم تكتف المنظمات بالبيانات وإنما قامت بتصفية العديد من رموز النظام جسديا "
6 " ترفع عينيك فإذا أكبر ميدان للشهيد ، و إذا بأسماء الشهداء منقوشة على الشوارع و الأزقة ، حتى تكاد تصبح خارطة إيران بمثابة "دليل" للشهداء ، و هو دليل تتسع دائرته لتشمل بعضا من الشهداء العرب ، المصريين خاصة الذين قتلهم الظلم . فهناك شارع باسم " أستاذ حسب بنا" و آخر باسم "سيد قطب" و ثالث باسم "خالد الاسلامبولي" و رابع باسم " سليمان خاطر" . الوحيد من الأحياء المصريين الذين أطلق اسمه على شارع هو "شيخ عبد الحميد كشك المصري" . تسأل عن السبب فيقال لك : ألم يقف الرجل إل جانب شهدائنا في الحرب ؟ "
7 " المشروع الايراني ليس بالضرورة النموذج الحضاري الواجب الاحتذاء ، غير أن أهم ما فيه ينطلق من الاصرار على الانعتاق من سلطان الغرب ، و العودة إلى الذات الحقيقية . أما "متى" يمكن أن يتبلور المشروع ، و "مدى" نجاحه أو إخفاقه ، فذلك شأن آخر . "
8 " رابعة تلك الملاحظات أن الإيرانيين لم يكونوا على استيعاب كاف لتطورات الوضع العربي ، التي هي في مجملها أقرب إلى السلب منه إلى الإيجاب ، ذلك أنه حتى قرب نهاية الستينات كانت للجماهير العربية قيادة متمثلة في جمال عبد الناصر . و كانت قيم النضال ضد الاستعمار و الثورة لاستخلاص الحقوق مما تبناه الشارع العربي و وقف وراءه . كان للجماهير العربية حضور ، فضلا عن أنه كانت ثمة قيادة تعبر عن ضمير تلك الجماهير و طموحتها . ابتداء من السبعينات تغيرت تلك الصورة ، غاب الرمز و غاب دور الشارع . و ظهرت خريطة من القيم السلبية الجديدة في الواقع العربي ، تتبنى الإنحياز إلى المعسكر الغبي من ناحية ، و ترفع شعارات الإقليمية و التجزئة من ناحية أخرى . و بدأت في العالم العربي مرحلة "الأنظمة" التي تعاظم دورها على حساب دور الشارع و الجماهير . هذه الظروف في مجموعها كان لها تأثيرها الضروري على القيادة الفلسطنينة . كان لابد لتلك القيادة أن تتعامل مع الواقع العربي بمتغيراته السلبية ، إذ لم تكن في موقف يسمح لها لا بتحدي هذا الواقع و لا بتغييره . و هذا ما لم تدركه القيادة الإيرانية ، و حاسبت الفلسطينيين من منطلق خاطيء تماما ، منفصل عن تلك المتغيرات في الواقع العربي . "
9 " قد كان مناخ الستينيات في إيران ذروة المواجهة مع قوى الاستعمار وأذنابه وكانت الجماهير معبأة ومشحونة وجاهزة للانفجار بعد أن تتابعت حلقات الثورة في المنطقة فقد انفجر الموقف في سوريا سنة 1949، وتزلزل عرش الشاه بعد تأميم نفط إيران على يد محمد مصدق سنة 1952 ، وقامت ثورة يوليو في مصر سنة 1952 ،وتتابعت بعدها الثورات في العراق واليمن، الشمالي والجنوبي، والجزائر وهو ما ارتبط بظهور منظمة فتح الفلسطينية ، وفي هذا المناخ قد قامت العاصفة ضد الشاه ودوّت العبارات الرافضة للنظام ولكل رموزه وممارساته "
10 " لأن الشاه في عودته إلى العرش كان مدينا للمخابرات المركزية الأمريكية بالدرجة الأولى، فإن ارتباطة بالمخططات الأمريكية تزايد منذ عام 1953 ، إذ تضخمت أعداد المستشارين الأمريكيين عسكريين ومدنيين حتى وصل عددهم إلى أربعين ألفا وصدر قانون يمنحهم حصانة قضائية خاصة.مما اثار سخط علماء الدين والعامة في البلاد "
11 " و إذا كان الشعور بالولاء قد دفع الألوف من مسلمي الهند إلى هجرة أهلهم و ديارهم إلى أفغانستان عندما خاضت بريطانيا الحرب ضد الخلافة العثمانية ، معتبرين أن بلادهم - و هي المستعمرة البريطانية - قد صارت "دار حرب" واجبة الترك ، فإن الشعور بالانتماء دفع الإيرانيين للذهاب إلى ما هو أبعد ، إذ اعتبروا أن استمرار الاغتصاب الإسرائيلي لفلسطين بمثابة عدوان على ديار الإسلام . يظل رده مسئولية كل مسلم . فوقفوا دون تردد إلى قضية الثورة . و اعتبروا منذ للحظة الأولى أن مكانهم الطبيعي في الخندق الفلسطيني . واستعصى عليهم - ولا يزال - أن يفهموا غير لغة النضال المسلح ضد اسرائيل ، بقدر ما أنهم لم يتصوروا لهم مكانا خارج المربع الفلسطيني . "
12 " حاول الشاه أن يحسن من صورته امام الناس وأمام العالم الخارجي عن طريق اقامة هياكل سياسية وهمية توحي بشكل الممارسة الديموقراطية فأنشأ حزبين توأم هما : "مردم" اي الشعب، و"مليون" أي الوطنيون، وهو الذي سمي فيما بعد "إيران نوين" أي ايران الجديدة. ونصّب اثنين من رجالة على راس الحزبين، ولجأ فيما بعد سنة 1975 إلى إلغاء الحزبين واستبدالهما بحزب واحد هو "رستاخيز ملت" أي البعث الشعبي، وأعلن أن من لا ينضم إلى حزبه إما عميل أو خائن وعليه إما يغادر البلاد أو يدخل السجن، .. وهو ما أثار الجماهير ودفعها إلى السخرية المرة من الشاه وحزبه "رستاخيز" فأطلقت في طهران على صحيفة الحزب الذي حملت اسمه كلمة واحدة هي : "رسوا خير" ومعناها "منبع الفضيحة"ـ "
13 " و ربما كانت الإيجابية الوحيدة للصراع الذي دار بين الإسلاميين و غيرهم بعد نجاح الثورة ، أنه أسهم بطريق غير مباشر في توحيد الصف الإسلامي و استمرار تماسكه ، و لكن حسم ذلك الصراع لصالح الإسلاميين هيأ الفرصة لظهور ما كان مخفيا أو منسيا بينهم من عناصر التمايز أو التناقض ، و هو أمر ليس مستغربا في تجارب الثورات ، تبدأ بخصومها ، ثم حلفائها ، ثم تدور الدائرة على صناعها ، إلى أن يستقر الأمر لفرد أو لفريق متجانس تماما في الأهداف أو الطموح. "
14 " دخل الخميني إلى المعترك من باب الفقه السياسي. ومنذ وطئت قدماه الساحة ارتبط الدين بالوطن عنده، وفتح باب الفتوى الذي ظل مغلقا على المسائل العبادية وعلاقة الناس بالله، واطل منه على مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والثورية. أي علاقة الناس بالناس، والشعب بالحكومة، والدولة بالعالم الخارجي .. زكانت هذه لغة جديدة في الخطاب الديني، في قم وفي إيران كلها. "
15 " في الطائرة المتجهة إلى طهران يذكرونك بأنهم ذاهبون إلى مكان مختلف عما ألفته. على الأقل، هذا ما حدث معي على الخطوط البريطانية التي طرت عليها في احدى سفراتي إلى ايران. بعدما غادرنا لندن بدقائق، بدأوا يشرحون لنا برنامج الرحلة، وما سيقدم إلينا من مأكولات ومشروبات وبرامج ترفيهية. قالت المضيفة أن كل شيء سيكون على ما يرام حتى نصل إلى "لارنكا"، محطة منتصف الطريق في قبرص. أما بعدما تقلع الطائرة من قبرص إلى طهران، فلن تقدم أية خمور للركاب، وعند الهبوط إلى طهران، "يرجى من جميع السيدات أن يراعين تقاليد الدين الأسلامي عند الخروج". "
16 " لهذا السبب، فقد كان صوت الخميني نشازا في المعزوفة السائدة، بين السياسيين وبين الفقهاء في آن واحد. وبين الباحثين في تلك الفترة من يذهب إلى أن ذلك الموقف المتسم بالجرأة الزائدة من جانب الخميني، جعل الآخرين - كبار الفقهاء في الواقع - يحرصون على أن يحتفظوا "بمسافة" بينهم وبينه، حتى بدا معزولا عن أولئك "الآخرين" في حوزة النجف "
17 " وزعوا علينا صحف الصباح، صحيفة "كيهان" رسمت علامة النصر في نهاية حرف "الألف" وعنوان إفتتاحيتها يقول: الشيعة والسنة، سلاح الدعاية الصهيونية للتفرقة بين المسلمين. وفي الداخل مقال للمفكر الاقتصادي الايراني أبو الحسن بني صدر عنوانه: الشاه ملياردير، وعبد الناصر مات فقيرا! "
18 " قال الراوي: عندما وصل هاني الحسن، مستشار عرفات ليكون أول سفير لفلسطين في طهران الثورة، أنزلوه والوفد المرافق معه في أكبر قصور رجال الشاه، قصر أمير عباس هويدا، الذي كان رئيس وزراءه الأثير 13 عاما، وهو القصر الذي أصبح مقراً لرئيس الجمهورية فيما بعد.كان وصولهم في المساء، ووسط مشاعر الحفاوة البالغة التي أحيطوا بها، لم ينتبه أحد إلى مسألة إعداد عشاء لهم. ولما حل الظلام وشعر أعضاء الوفد بالجوع، علم أحد المرافقين الإيرانيين بالأمر، فخرج ليستحضر لهم طعاما.أوقفوه عند أول حاجز أمن أقامه رجال الكوميتات في الشارع المؤدي إلى القصر. ولما أوضح لهم حقيقة مهمته، فوجئوا وصدموا، حتى اغرورقت عينا أحدهم بالدموع، وقال بأسى وهو لا يكاد يصدق: الفلسطينيون هنا في طهران جائعون، ولا يجدون عشاء لهم؟ ركض الشباب يبلغون الواقفين عند الحاجز التالي، وانتقل الخبر من حاجز الى حاجز، حتى شاع النبأ في طهران، وحدث "استنفار" في العاصمة لمحو هذا "العار"!! "
19 " قال الراوي: عندما وصل هاني الحسن، مستشار عرفات ليكون أول سفير لفلسطين في طهران الثورة، أنزلوه والوفد المرافق معه في أكبر قصور رجال الشاه، قصر أمير عباس هويدا، الذي كان رئيس وزراءه الأثير 13 عاما، وهو القصر الذي أصبح مقراً لرئيس الجمهورية فيما بعد.كان وصولهم في المساء، ووسط مشاعر الحفاوة البالغة التي أحيطوا بها، لم ينتبه أحد إلى مسألة إعداد عشاء لهم. ولما حل الظلام وشعر أعضاء الوفد بالجوع، علم أحد المرافقين الإيرانيين بالأمر، فخرج ليستحضر لهم طعاما.أوقفوه عند أول حاجز أمن أقامه رجال الكوميتات في الشارع المؤدي إلى القصر. ولما أوضح لهم حقيقة مهمته، فوجئوا وصدموا، حتى اغرورقت عينا أحدهم بالدموع، وقال بأسى وهو لا يكاد يصدق: الفلسطينيون هنا في طهران جائعون، ولا يجدون عشاء لهم؟ ركض الشباب يبلغون الواقفين عند الحاجز التالي، وانتقل الخبر من حاجز الى حاجز، حتى شاع النبأ في طهران، وحدث "استنفار" في العاصمة لمحو هذا "العار"!!أضاف محدثي الذي كان عضوا في الوفد، أنهم فوجئوا بعد ساعة بمواكب الإيرانيين الذين هرولوا إلى القصر حاملين ما عندهم من طعام، ولم ينم أعضاء الوفد الليل بطوله، لأنهم ظلوا يستقبلون أوعية الطعام الضخمة التي تقاطرت عليهم من كل صوب، بعدما هب الإيرانيون يذبحون ويطبخون ويتسابقون في تقديم تلال اللحوم والطيور وجبال الأرز، وسلال الفاكهة والحلوى، إلى الوفد الفلسطيني! "
20 " عبر عن ذلك بدقة بالغة الدكتور حسن الترابي، أبرز قادة التيار الإسلامي في السودان، عندما سمعته يقول في مناقشة حول تقييم الحدث الايراني، إن الثورة الإسلامية هناك أثبتت قدرة فذه في إزهاق الباطل، ولكنها لم تكن في نفس القدرة من الكفاءة في محاولة إحقاق الحق! "