Home > Work > طالبان: جند الله في المعركة الغلط
1 " لا أعرف بأي وجه سنلقى الله. وماذا سنقول يوم نحاسب عن جهدنا فيم بذلناه، ووقتنا فيم ضيعناه. وماذا سنقول حين نسأل عن إدماننا الانشغال بما لا ينفع، والقتال في غير معركة، وتفضيل النظر إلى الخلف ومخاصمة النظر إلى الأمام. "
― فهمي هويدي , طالبان: جند الله في المعركة الغلط
2 " من غرائب حياتنا الثقافية أننا نضطر في أحيان كثيرة إلى أن نسوق الحجج ونحشد الحيثيات دفاعا عن حقنا البسيط والمتواضع في مجرد أن نفهم. من تلك الغرائب أيضا أننا لا نفرق في أغلب الأحوال بين الفهم والتسويغ، بحيث يصعب على البعض أن يستوعب فكرة أن تتفهم موقفا بينما تظل متحفظا إزاءه أو معارضا له. ذلك أن المعادلة الشائعة في أوساطنا الثقافية - والسياسية أيضا - هي: إما أن تكون مع الشيء، وإما أن تكون ضده، بحيث إنك إذا لم تكن مخاصما لطالبان ولاعنا لهم-مثلا- فسوف تصنف نصيرا لهم ومدافعا عنهم. "
3 " إن الدبة التي ألقت بالحجر على وجه صاحبها - في القصة الشهيرة - كي تهش عنه ذبابة عاكسته، كانت بريئة القصد وحسنة النية لا ريب. لكن البراءة حين اقترنت بالغباء وسوء التقدير - انعدامه في الواقع - أدت إلى هلاك الرجل وقتله. وقد دفعت أمتنا ثمنا باهظا وأريقت فيها دماء كثيرة، كما أهدرت فيها قيم جليلة، على أيدي أولئك النفر من الطيبين المخلصين الذين لا "يفقهون"، ممن لم يدركوا مقاصد الدين وعجزوا عن فهم حقائق الدنيا. "
4 " لا نعرف أن الراشدين من حكام المسلمين منعوا أصحاب أي ملة من التعبد بالوسيلة المعتمدة لديهم، وهم يتمتعون بالمواطنة في الدولة الإسلامية. بل إن هذا المنع - إذا تم - فإنه يعد من قبيل الإكراه في الدين المنهي عنه شرعا. ولسنا هنا بحاجة لاستعادة النصوص القرآنية التي نبهت في أكثر من موضع إلى أن الله سبحانه وتعالى لو شاء لجعل الناس أمة واحدة، ولكنه أرادهم مختلفين لحكمة ليست خافية، وينبغي أن يحترم الاختلاف، أيا كان مداه، طالما أن الآخرين لم يعتدوا على المسلمين أو يفتنوهم في دينهم، وقبلوا أن يعيشوا معهم في أمان وسلام. "
5 " لا نريد أن يزايد بعضنا على بعض في الغيرة أو الفهم على الخلفاء الراشدين وصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا نريد أن نتعامل مع الإسلام كأنه نزل أمس فقط ونفرض وصاية مفتعلة على عقائد الناس. وينبغي ألا ننسى أن وجود التماثيل أو الأصنام في أي بلد، حتى تلك البلدان التي يعيش فيها المسلمون كأقلية مستضعفة، لم يؤذَ إلى أن يفتن المسلمون في دينهم ولا هم تحولوا عنه. وحين تحول بعضهم عن الإسلام في بعض الأقطار، فإنهم لم يجنحوا إلى ذلك افتتانا بالأصنام والتماثيل، بل لأنهم عانوا من الجهل والفقر والبؤس. وهذه هي الجبهة الحقيقية التي ينبغي أن يقاتل عليها من أراد أن يقاتل دفاعا عن الإسلام والمسلمين. أما افتعال معارك وهمية مع طواحين الهواء، فذلك مظهر آخر من مظاهر البؤس الفكري والثقافي، بل من مظاهر الجهل بالدين والدنيا معا. "
6 " وإذا كنا نقول إن من رأى غير من سمع، فإن الأمر حين يتعلق بأفغانستان يصبح له حساب ىخر وإيقاع آخر، لسبب جوهري هو أن ثمة "حاجزا نفسيا" انبنى في الإدراك العربي على الأقل، أصبح يحول دون النظر بعين الإنصاف إلى مجمل المشهد الأفغاني. وهذا الحاجز المفترض أسهم الجميع في صنعه: جماعة طالبان وممارساتهم، والإعلام الأمني، إذا جاز التعبير، إضافة إلى الإعلام الغربي. ولا أغفل دور "المليشيات" المتربصة والمتصيدة والكارهه لكل ما هو منسوب إلى الإسلام، أحسن أم أساء، فما بالك وقد زودتها حماقات جماعة طالبان برصيد وفير من الإساءات، ما برحت تلك "المليشيات" تهلل وتطنطن به في كل مناسبة وحين، مصورة تجربة تجربة طالبان كفزاعة للترهيب والتخويف؛ حتى أصبح كل مسلم يحاكم ويعير بما يحدث في أفغانستان، إضافة إلى ما شهدته الجزائر على أيدي ما يسمى بالجماعة الإسلامية المسلحة. هذا "الحاجز النفسي" لم يشوه الإدراك فحسب، ولكنه قطع الطريق على إمكانية التعامل الموضوعي مع الأحداث الأفغانية، فلم نفهم الكثير مما جرى ولا استفدنا من تجربتهم، وعجزنا عن أن نقوم بدور يذكر في التبصير وتقويم الأخطاء، لا لأجل خاطرهم، ولكن لأنها محسوبة علينا ومنسوبة إلينا، بدرجة أو بأخرى، من حيث إنهم مسلمون على الأقل. "
7 " أفهم أن الولايات المتحدة مصرة على ملاحقة بن لادن ومحاكمته، حتى وإن اقتضى ذلك أن تدوس فوق جثث الشعب الأفغاني بأسره. وأفهم أن تكون روسيا لها ثأرها القديم منذ هزمت القوات السوفيتية على يد المجاهدين الأفغان، ثم لها مخاوفها وشكوكها حول أثر حركة طالبان في الشيشانيين وتسرب التوتر و"الأصولية" إلى جمهوريات آسيا الوسطى التي تعدّها مجالها الحيوي- لكن الذي لم أفهمه هو: لماذا نحن مازلنا على خصام معهم؟ ولماذا لا نعترف بهم على الأقل، لكي نخفف من وطأة الحصار والتداعيات الخطرة التي ترتبت عليه؟ "
8 " صحيح أن أهم ما أنجزته طالبان أنها أعادت الأمن والاستقرار إلى البلاد. وهي مقولة لا يشكك فيها أحد أو يجادل، غير أن ذلك الإنجاز لا يجوز التباهي به طويلا، لسبب جوهري هو أن القبورر هي أكثر الأماكن امانا واستقرارا في العالم. والفرق بينها وبين مجتمع الأحياء، أن الأمان والاستقرار في القبور هو وضع نهائي يشكل كل الصورة، بينما هو في المجتمعات البشرية العادية أحد شروط النمو والتقدم، بمعنى أنه جزء من الصورة أو هو خلفية الصورة. "