Home > Work > نظام التفاهة
1 " الشبكات الاجتماعية ومواقع التواصل (مثل تويتر وفيسبوك وإنستجرام)، هي مجرد مواقع للّقاء الافتراضي وتبادل الآراء؛ منتديات لا أكثر. فيها، يتكون "عقل جمعي" من خلال المنشورات المتتابعة. هذا الفكر التراكمي السريع الذي يبلور - بسرعة وبدقة - موضوعًا محددًا، نجح في اختصار مسيرة طويلة كان تبادل الفكر فيها يتطلب أجيالًا من التفاعل (المناظرات والخطابات والمراسلات والكتب والنشر والتوزيع والقراءة والنقد ونقد النقد). ورغم كل هذه الفرص، فقد نجحت هذه المواقع في "ترميز التافهين" كما يُقال، أي تحويلهم إلى رموز.ما يجعل كثير من تافهي مشاهير السوشيال ميديا والفاشينستات يظهرون لنا بمظهر "النجاح"، هو أمر يُسأل عنه المجتمع نفسه، الذي دأب على التقليص التدريجي لصور النجاح التي تعرفها البشرية ككل (العمل الجاد والخير للأهل والمواطنة الصالحة وحسن الخلق والأكاديميا والآداب والفنون والرياضة إلخ)، فألغاها جميعًا من قائمة معايير النجاح، حتى اختزلها في المال فقط، فلم يُبقِ إلا عليه وحده معيارًا. لقد حذرنا من ذلك كثيرًا. من يُنكر الآن أن المشاهير والفاشينستات قد حققوا "النجاح" فعلًا، وفقًا لمعيار المال؛ وهو المعيار الوحيد الذي وضعه مجتمعنا نصب أعين شبابه؟ "
― Alain Deneault , نظام التفاهة
2 " بعيدا عن الإعلام الجمعي، فإن التلفاز، على خلاف ذلك، هو قوة لنزع الصفة الجمعية: إنه يفصل الأفراد الذين يشكلون الجماعة ويعزلهم عن بعضهم، فيما هو يقدم لهم الشيء ذاته بالتزامن (في الوقت ذاته) وبالتشابه (المحتوى ذاته). نحن نتعايش اجتماعيا من خلال التشارك في واقع لا نستهلكه إلا في العزلة. وهكذا ينتج التلفاز كائنا اجتماعيا جديدا، هو "السلطعون الناسك الجمعي": يجلسون، الملايين منهم في الآن ذاته، منفصلين، ومع ذلك متماثلين، منغلقين في أقفاصهم كما السلطعونات الناسكة، لا رغبة في الفرار من العالم، بل من أجل التأكد تماما من ألا يفوتهم - أبدا، أبدا - أي فتات من أي صورة تظهر لهم على الشاشة". وهكذا، يكون الواقع متأنقا، مقتطعا من سياقه، مؤطرأ، ومعدا كما ينبغي، فيوصله التلفاز إلى بيوتنا مثل سلعة، حتى لا نكون بحاجة إلى معايشته أو القيام به. ة "
3 " ما يهم هو ليس جعل الأشياء مفهومة، وإنما التثبت من إزالة العوائق الحائلة ضد الفهم "
4 " اليوم في حقبة الإدارة الشموليّة، وثقافة الشركات، صار الأمر أكثر تكاملًا (ابتسم، أنا أدفع لك. التزم شخصيًا بما أريد، أنا أدفع لك. استخدم علاقاتك لدعم عملك، أنا أدفع لك) ومثلها (الزبون هو الذي على حقّ دائمًا) وباقي الشعارات التي تضع مطالب نفسيّة قصوى على كاهل الخاضعين لها "
5 " لقد فقدت الحِرفة. يمكن للناس الآن إنتاج الوجبات على خطوط الإنتاج من دون أن تكون لهم معرفة بالطبخ في البيت؛ إعطاء تعليمات على الهاتف للعملاء رغم أنهم هم أنفسهم لا يفهمونها؛ بيع كتب أو صُحفٍ هم أصلًا لا يقرأونها. إن الفخر بالعمل المُنتَج جيدًا صار أمرٌ في طور الاضمحلال "
6 " يقول إدوارد سعيد: الخطر الذي يهدّد مثقّف اليوم، في الغرب وفي بقيّة العالم، لا يكمن في الجامعة، ولا في التسليع الشنيع للصحافة ودور النشر، وإنما يكمن في موقف عامّ شامل سوف أسمّيه: المهنيّة، professionalism "
7 " الفوز في اللعبة [نظام التفاهة] لا يتطلّب سوى التظاهر بالعمل، تكفي النتيجة الظاهريّة، مجرّد الإمكانيّة لتبرير الوقت المنقضي، أمّا التحقّق من النتائج وتقييمها فهو يتمّ من قبل أشخاص متورّطين في هذا التظاهر، مرتبطين به، وذوي مصلحة في استمراره "
8 " وعلى الرغم من ذلك، فقد نستنتج أن تربية طفل سبيل لخداع الموت أنجع من بيع الصلصات والبهارات، أو أن مساعدة صديق خير وأبقى من قيادة جيش "
9 " Programs intended to educate the public are similarly intended to prevent us from understanding that the system is in complete disarray. "
10 " وفي فيلمه التسجيلي "المساعدة القاتلة"، يشرح راؤول بيك كيف كان من الصعب إيجاد رعاة لإزالة الحطام المتحصل إثر الزلزال الذي ضرب هايتي عام 2010، لأن هذا الجزء من الأعمال لم يكن "مغريا" من وجهة النظر الإعلانية. إن إقامة مبنى كيفما اتفق لمدرسة ما، ثم ملأه بالأطفال السعداء لهو أمر مربح أكثر، ناهيك عن أنه يسمح بالتقاط صور فوتوغرافية أجمل "
11 " العارفون لا يطلبون الدعم من غير العارفين؛ كل ما يحتاجون إليه منهم هو أن يكفوهم عبء إرباك المشهد بتدخلاتهم غير المستنيرة، حتى وإن كانوا حسني النية. فالطريق إلى جهنم محفوف بالنوايا الطيبة. "
12 " وبذلك، فقد كفاني المؤلف مؤونة أن أدبج كتابًا مكرسًا لذلك، ومكنني، عوضًا عن إعادة اختراع العجلة، أن أكون مترجمًا أمينًا -ما استطعت- لأفكار الكتاب، مستحضرة في ذلك قولاً قرأته ذات مرة للكاتب السوري عبد اللطيف الفرحان: "الكتابة عندي فرض كفاية، إذا كتب غيري وأجاد عن الموضوع فلا أجد كتابتي إلا تكرارًا. وبالتالي، فعزوفي عن الكتابة عنها ليس موقفًا، بل إيمانًا بأنه ليس لدي ما أضيفه لقضية واضحة ومحسومة وصريحة. فالكتابة ليست إثبات موقف، بل إضفاء قيمة معرفية."ـ "