Home > Work > العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: النظرية

العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: النظرية QUOTES

13 " الشائع بين معظم الناس و الدارسين تعريف العلمانية بوصفها فصل الدين عن الدولة ، أو نحو ذلك من تعريفات جزئية. و كثيرون يتصورون أنهم في واقع الأمر يديرون حياتهم على أساس مفهوم العلمانية الجزئية. لكن لو دققنا قليلاً في الأمر لاكتشفنا أنه حينما يكون الأمر خالصاً بالتعريف النظري ، فإن ما يُطرح عادة هو مفهوم العلمانية الجزئية ، أما الممارسة الفعلية في معظم مجالات الحياه اليومية فهى تتم على أساس العلمانية الشاملة ( من خلال ما سميناه العلمنة البنيوية و آليات أخرى مثل قطاع اللذة و الدولة المركزية).

و الفرق بين ما نسميه "العلمانية الجزئية" و ما نسميه "العلمانية الشاملة" هو في واقع الأمر الفرق بين مراحل تاريخية لنموذج واحد. فالعلمانية ليست مجرد تعريف ثابت ، و إنما ظاهرة لها تاريخ ، و تظهر من خلال حلقات متتابعة. و لذا ، فبدلاً من أن نتحدث عن نموذج العلمانية ، يجدر بنا أن نتحدث عن متتالية نماذجية ، تتحقق عبر الزمان و في المكان. و يمكننا القول أنه في المراحل الأولى من هذه المتتالية تسود العلمانية بالجزئية ، و حينما يكون مجالها مقصوراً على المجالين الإقتصادي و السياسي ، و حين تكون هناك بقايا مطلقات مسيحية و إنسانية ، و حين تتسم الدولة و وسائل الإعلام و قطاع اللذة بالضعف و العجز عن اقتحام ( أو إستعمار ) كل مجالات الحياه ، و حين تكون هناك معيارية إنسانية أو طبيعية / مادية. و لكن.. في المراحل الأخيرة ، و مع تزايد قوة الدولة و وسائل الإعلام و قطاع اللذة ، و تمكنها من الوصول إلى الفرد و إحكام القبضة عليه من الداخل و الخارج ، و مع إتساع مجال عمليات العلمنة و ضمور المطلقات و اختفائها ، و تهميش الإنسان ، و سيادة النسبية الأخلاقية ، ثم النسبية المعرفية ( بإهتزاز الكليات ) - تظهر العلمانية الشاملة في مرحلتيها : الصلبة و السائلة.. "

عبد الوهاب المسيري , العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: النظرية

14 " تمت إشاعة خطاب فلسفي سياسي دولي ساهم في بناء أعضاء هذه النخبة الثقافية المدجنة، التي فقدت إحساسها بخصوصيتها وخصوصية حضارتها واهمية الأشكال الحضارية التي ابدعتها الشعوب غير الغربية، كما فقدت الاحساس بجدوى القيم الاخلاقية المطلقة. ويستند هذا الخطاب الى مقولات ذات طابع عقلاني استناري ظاهر ، ولكنها ذات طبيعة استسلامية كامنة مثل :" الواقعية" و" البعد عن العقد النفسية" و"المرونة" . ومثل هذه المقولات 'العقلانية المستنيرة' تسهل على المثقفين عملية الإستسلام ولعل مفهوم الندية آخر قذيفة من هذه الترسانة العقلانية الاستسلامية ! وهو مفهوم يساوي بين القومية العربية والصهيونية، ويسقط تماما فكرة الظلم والإعتداء والغزو، ويعلن سقوط كل من القوميتين : العربية واليهودية. وبعد هدا الرصد الموضوعي المحايد ، يطلب منا ان نظهر المرونة، ونتحلى بالواقعية، ونتخلى عن العقد النفسية...واخيرا..ان نعترف بالعدو. ويدور هدا الخطاب الدولي حول تفوق الحضارة الغربية ومركزيتها، ولدا يتزايد الحديث عن انجازات هذه الحضارات الغربية وقوتها، وعن قوة امريكا التي لايمكن قهرها(دون ذكر عمليات النهب الامبريالي الذي كان وراء التراكم الراسمالي، ودون ذكر مواطن الضعف والقصور في الامبريالية الغربية). ويتعالى التغني بقوة اليهود واسرائيل ومعدلات النمو العالية فيها(مع اغفال الدعم الامبريالي الذي يتم على جميع المستويات ، وكذلك اغفال قصص الاخفاق الاسرائيلية العديدة)..وبذلك يتحول الغرب واسرائيل الى آلهة والى أداة لضرب الذات بها . ويواكب هذا كله هجوم شرس على الذات وعلى التراث ، تحت شعار موضوعي محايد (نقد الذات)يدخل بنا الى خندق الهزيمة، ويجعل الواقعية آلية الاستسلام للعدو المتفوق "

عبد الوهاب المسيري , العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: النظرية