Home > Author > Wael B. Hallaq >

" أدت التمايزات الاجتماعية والاقتصادية الصارخة وظروف العمل الرهيبة والحكم الملكي الذي لم يكد يخرج من عصر الحكم المطلق إلى نشأة عنف العامّة والمجتمعات الحضرية الجامحة، ما دفع بدوره الدولة إلى تكوين جهاز شرطةٍ منظم ومزود جيدًا بالعناصر. ولم يكتفِ هذا الجهاز بمواصلة حضوره في تلك المناطق الحضرية بل طال بسطوته الريف الذي كان بعيدًا عن رقابة الحكّام في السابق. وفي نهاية القسم الأخير من القرن التاسع عشر، لم تعد أي قريةٍ أو بلدة أو مدينة قادرة على الهرب من رقابة هذا الجهاز. ولدعم هذا الجهاز الشرطي، أُنشيء نظام سجونٍ ضخم وغير مسبوق. بيد أن القوة المادية الفجة لم تكن كافية، وهذا ما فهمه الحكام الأوربيون. وكان لزامًا على الشعب أن يتعلم طرق السلوك القويم، أي النظام الاجتماعي، وكان ذلك يعني، في نظام رأسمالي شامل، القدرة على العمل والانتاج. هكذا تُرْجِمَ الضبط على أنّه مكان يكتنف الذاتَ فيه نظامُ فْرض ومنفعة أداتّية. وكان النظام الدي جرى تبنّيه لإتمام هذه الآلية التنظيمية هو المدرية التي راحت تبزغ في كل مكانٍ بأشكالٍ متعددة. وأصبحت المدرسة، بالتوازي مع تقوية جهاز الشرطة، عنصرًا اجتماعيًا اعتياديًا في نهاية أواخر القرن التاسع عشر. وبعذما شُرعَت كشيء إلزامي (ما يعني حرفيًا إكراه الآباء على إرسال زولادهم إلى المدارس وإلا فالسجن)، ما أَجْبَرَ التعليم الابتدائي الغالبية العظمى من الأطفال الأوروبيين الدخول في نظام صارم، حيث تُحْقَنُ عقولهم بأفكار ومُثل معينة. وعلى الرغم من ذلك، لم تكن الشرطة والتعليم المدرسي كافيين، إذ زاد الفقر عقب الثورة الصناعية وأصبح السخط الاجتماعي أكثر وضوحًا. وسرعان ما زدرك المصلحون والسياسيون والحكام الدين لا تزال الثورة الفرنسية وأسباب السخط التي أدت إليها حيّة في ذاكرتهم، أنَّ الفقر قد يقود إلى ثورةٍ ثانية، يمكن لها أن تسحب كلًا من السلطة السياسية والتميز الاقتصادي من تحت أقدامهم. وسرعان ما بُدِئ بتأسيس نُظُم الرفاه الاجتماعي في كل الدول الأوروبية، ما أوجد شبكة أمانٍ اجتماعية، والأهم منها مؤسسات الصحة العامة والمستشفيات المتخصصة "

Wael B. Hallaq , الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي


Image for Quotes

Wael B. Hallaq quote : أدت التمايزات الاجتماعية والاقتصادية الصارخة وظروف العمل الرهيبة والحكم الملكي الذي لم يكد يخرج من عصر الحكم المطلق إلى نشأة عنف العامّة والمجتمعات الحضرية الجامحة، ما دفع بدوره الدولة إلى تكوين جهاز شرطةٍ منظم ومزود جيدًا بالعناصر. ولم يكتفِ هذا الجهاز بمواصلة حضوره في تلك المناطق الحضرية بل طال بسطوته الريف الذي كان بعيدًا عن رقابة الحكّام في السابق. وفي نهاية القسم الأخير من القرن التاسع عشر، لم تعد أي قريةٍ أو بلدة أو مدينة قادرة على الهرب من رقابة هذا الجهاز. ولدعم هذا الجهاز الشرطي، أُنشيء نظام سجونٍ ضخم وغير مسبوق. بيد أن القوة المادية الفجة لم تكن كافية، وهذا ما فهمه الحكام الأوربيون. وكان لزامًا على الشعب أن يتعلم طرق السلوك القويم، أي النظام الاجتماعي، وكان ذلك يعني، في نظام رأسمالي شامل، القدرة على العمل والانتاج. هكذا تُرْجِمَ الضبط على أنّه مكان يكتنف الذاتَ فيه نظامُ فْرض ومنفعة أداتّية. وكان النظام الدي جرى تبنّيه لإتمام هذه الآلية التنظيمية هو المدرية التي راحت تبزغ في كل مكانٍ بأشكالٍ متعددة. وأصبحت المدرسة، بالتوازي مع تقوية جهاز الشرطة، عنصرًا اجتماعيًا اعتياديًا في نهاية أواخر القرن التاسع عشر. وبعذما شُرعَت كشيء إلزامي (ما يعني حرفيًا إكراه الآباء على إرسال زولادهم إلى المدارس وإلا فالسجن)، ما أَجْبَرَ التعليم الابتدائي الغالبية العظمى من الأطفال الأوروبيين الدخول في نظام صارم، حيث تُحْقَنُ عقولهم بأفكار ومُثل معينة. وعلى الرغم من ذلك، لم تكن الشرطة والتعليم المدرسي كافيين، إذ زاد الفقر عقب الثورة الصناعية وأصبح السخط الاجتماعي أكثر وضوحًا. وسرعان ما زدرك المصلحون والسياسيون والحكام الدين لا تزال الثورة الفرنسية وأسباب السخط التي أدت إليها حيّة في ذاكرتهم، أنَّ الفقر قد يقود إلى ثورةٍ ثانية، يمكن لها أن تسحب كلًا من السلطة السياسية والتميز الاقتصادي من تحت أقدامهم. وسرعان ما بُدِئ بتأسيس نُظُم الرفاه الاجتماعي في كل الدول الأوروبية، ما أوجد شبكة أمانٍ اجتماعية، والأهم منها مؤسسات الصحة العامة والمستشفيات المتخصصة