Home > Author > عبد الله العروي >

" يعتبر ابن خلدون أن الفترة الفاصلة بين عهد معاوية وعهد هارون الرشيد التبست فيها الخلافة بالملك، ويقول: "قد رأيت كيف صار الأمر إلى المُلك وبقيت معاني الخلافة من تحري الدين ومذاهبه والجري على منهاج الحق ولم يظهر التغيير إلا في الوازع الذي كان دينا ثم انقلب عصبية وسيفا." في هذه الحالة، ليس غريبا أن تتداخل الشواهد الفقهية الشرعية مع البراهين العقلية المأخوذة عن الحكماء الأقدمين. كان هؤلاء يقولون أن العدل يصلح أحوال الرعية، كذلك يحث أصحاب الآداب السلطانية الخليفة – الملك على التشبث بالشريعة إذ بها يدوم ويستقر الملك. الدولة في نظر هؤلاء الأدباء المؤرخين ملكية، يملكها شخص واحد، وإن كان في الواقع يمثل نصابا، أي قبيلة أو جماعة. العلاقة السياسية، في العمق، هي أن تحكم أقلية أكثرية، كما يقول اين خلدون:"ذلك أنه ليس كل أحد مالك أمر نفسه والرؤساء والأمراء المالكون لأمر الناس قليل بالنسبة إلى غيرهم. فمن الغالب أن إذ يكون الإنسان في ملكة غيره." حقيقة السياسة إذن هي امتلاك أمر الآخرين، والطبيعة الحيوانية في الإنسان تدفع الحاكم إلى قهر واستغلال المحكوم. لكن هنا يتدخل العقل، فيبين أنه لا بد للحاكم الملك أن يختار طريقين: له أن يستغلّ تفوقه إلى أقصى حد ممكن، لكنه يخاطر بحكمه في تلك الحال إذ يدفع الأغلبية المقهورة إلى أن تبحث عن أية وسيلة تحررها من ربقة القهر والاستعباد؛ وله أيضا أن يختار استمرار ملكه لأطول مدة ممكنة، حينذاك عليه أن يقتصد في التصرّف. أن يُظهر الرحمة والشفقة، أن يقلل من الاستغلال، بكلمه واحدة، عليه أن يعدل. بما أن الحكم إضافي، أي بما أنه علاقة بين حاكم ومحكوم، وكلاهما إنسان عاقل، فلا يمكن أن يضمن للملك لفترة طويلة معا السلطة المطلقة ودوام الملك، فإما بطش شديد قصير وإما ملك طويل لين. عوضَ أن يكون العدل مناقضا للملك، فإنه من شروط استقراره ودوامه. "

عبد الله العروي , مفهوم الدولة


Image for Quotes

عبد الله العروي quote : يعتبر ابن خلدون أن الفترة الفاصلة بين عهد معاوية وعهد هارون الرشيد التبست فيها الخلافة بالملك، ويقول: