Home > Author > عبد الله العروي >

" إننا كما لاحظ القاريء نخصص كلمة خلافة للتعبير عن المثل الأعلى، عن الحكم الذي يكون فيه الوازع دينيا، وواجهنا بالطبع صعوبة كبرى في اختيار عبارة للإشارة إلى الحكم الذي يكون فيه الوازع عصبية والذي يهم وحده المؤرخ والسياسي الواقعي. إن عبارة دولة إسلامية مرفوضة، ما دامت الدولة الإسلامية في الحقيقة في الخلافة؛ عبارة دولة شرعية أصح، لكن تتسبب في التباس كبير لأن القاريء العادي لا يفرّق بين الدولة الشرعية والخلافة. إذا قلنا دولة الإسلام أو دولة المسلمين، فالقول مقبول ما منا لا نعني به نظاما إسلاميا، بل فقط نظاما تقام فيه شعائر الإسلام ويعيش فيه مسلمون مؤمنون. لكن الالتباس لا يرتفع. تبقى عبارة دولة سلطانية وهي التي اخترناها لأنها الأقرب إلى الواقع والأقل التباسا. صحيح، إن المؤلفين الغربيين، وماكس فيبر بخاصة، يستعملونها بكيفية خاطئة. يطلقونها على الملك المطلق المتميز بالجور والعدوان ويظنون أن الإسلام، كعقيدة وكمجتمع، لا يعرف، بل لا يتصور، سواه. وهم خاطئون من وجهين. أولا، لا يزكي الفقهاء إلا السلطنة العادلة الشرعية، أما الجائرة فإنهم يحبذون العمل على زوالها؛ ثانيا، يتعايشون مع السلطة العادلة، لكنهم يحنون إلى النظام الأمثل، إلى الخلافة. رغم أنهم لا يتكلمون عليها كثيرا لأن قيامها مرهون بالمشيئة الربانية وحدها. إن استعمال المستشرقين، مع ما فيه من نوايا سيئة، يشكل عقبة في وجه ذيوع العبارة المقترحة. لكن في غياب مصطلح أدق، الأقرب إلى الواقع هو أن نسمي النظام السياسي الذي عاش تحت ظله المسلمون في جل تاريخهم بدولة السلطنة. "

عبد الله العروي , مفهوم الدولة


Image for Quotes

عبد الله العروي quote : إننا كما لاحظ القاريء نخصص كلمة خلافة للتعبير عن المثل الأعلى، عن الحكم الذي يكون فيه الوازع دينيا، وواجهنا بالطبع صعوبة كبرى في اختيار عبارة للإشارة إلى الحكم الذي يكون فيه الوازع عصبية والذي يهم وحده المؤرخ والسياسي الواقعي. إن عبارة دولة إسلامية مرفوضة، ما دامت الدولة الإسلامية في الحقيقة في الخلافة؛ عبارة دولة شرعية أصح، لكن تتسبب في التباس كبير لأن القاريء العادي لا يفرّق بين الدولة الشرعية والخلافة. إذا قلنا دولة الإسلام أو دولة المسلمين، فالقول مقبول ما منا لا نعني به نظاما إسلاميا، بل فقط نظاما تقام فيه شعائر الإسلام ويعيش فيه مسلمون مؤمنون. لكن الالتباس لا يرتفع. تبقى عبارة دولة سلطانية وهي التي اخترناها لأنها الأقرب إلى الواقع والأقل التباسا. صحيح، إن المؤلفين الغربيين، وماكس فيبر بخاصة، يستعملونها بكيفية خاطئة. يطلقونها على الملك المطلق المتميز بالجور والعدوان ويظنون أن الإسلام، كعقيدة وكمجتمع، لا يعرف، بل لا يتصور، سواه. وهم خاطئون من وجهين. أولا، لا يزكي الفقهاء إلا السلطنة العادلة الشرعية، أما الجائرة فإنهم يحبذون العمل على زوالها؛ ثانيا، يتعايشون مع السلطة العادلة، لكنهم يحنون إلى النظام الأمثل، إلى الخلافة. رغم أنهم لا يتكلمون عليها كثيرا لأن قيامها مرهون بالمشيئة الربانية وحدها. إن استعمال المستشرقين، مع ما فيه من نوايا سيئة، يشكل عقبة في وجه ذيوع العبارة المقترحة. لكن في غياب مصطلح أدق، الأقرب إلى الواقع هو أن نسمي النظام السياسي الذي عاش تحت ظله المسلمون في جل تاريخهم بدولة السلطنة.