Home > Author > Ibn Khaldun >

" والانقياد إلى سواهم وسبب ذلك أن المذلة والانقياد كاسران لسورة العصبية وشدتها فإن انقيادهم ومذلتهم دليل على فقدانها فما رئموا للمذلة حتى عجزوا عن المدافعة ومن عجز عن المدافعة فأولى أن يكون عاجزاً عن المقاومة والمطالبة‏.‏ واعتبر ذلك في بني إسرائيل لما دعاهم موسى عليه السلام إلى ملك الشام وأخبرهم بأن الله قد كتب لهم ملكها كيف عجزوا عن ذلك وقالوا‏:‏ ‏"‏ إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها ‏"‏ ي يخرجهم الله تعالى منها بضرب من قدرته غير عصبيتنا وتكون من معجزاتك يا موسى‏.‏ ولما عزم عليهم لجوا وارتكبوا العصيان وقالوا له‏:‏ ‏"‏ اذهب أنت وربك فقاتلا ‏"‏‏.‏ وما ذلك إلا لما آنسوا من أنفسهم من العجز عن المقاومة والمطالبة كما تقتضيه الآية وما يؤثر في تفسيرها وذلك بما حصل فيهم من خلق الانقياد وما رئموا من الذل للقبط أحقاباً حتى ذهبت العصبية منهم جملة مع أنهم لم يؤمنوا حق الإيمان بما خبرهم به موسى من أن الشام لهم وأن العمالقة الذين كانوا بأريحاء فريستهم بحكم من الله قدره لهم فأقصروا عن ذلك وعجزوا تعويلاً على ما علموا من أنفسهم من العجز عن المطالبة لما حصل لهم من خلق المذلة وطعنوا فيما أخبرهم به نبيهم من ذلك وما أمرهم به‏.‏ فعاقبهم الله بالتيه وهو أنهم تاهوا في قفر من الأرض ما بين الشام ومصر أربعين سنة لم يأووا فيها لعمران ولا نزلوا مصراً ولا خالطوا بشراً كما قصه القرآن لغلظة العمالقة بالشام والقبط بمصر عليهم لعجزهم عن مقاومتهم كما زعموه‏.‏ ويظهرمن مساق الآية ومفهومها أن حكمة ذلك التيه مقصودة وهي فناء الجيل الذين خرجوا من قبضة الذل والقهر والقوة وتخلقوا به وأفسدوا من عصبيتهم حتى نشأ في ذلك التيه جيل آخر عزيز لا يعرف الأحكام والقهر ولا يسام بالمذلة فنشأت لهم ذلك عصبية أخرى اقتدروا بها علي المطالبة والتغلب‏.‏ ويظهر لك من ذلك أن الأربعين سنة أقل ما يأتي فيها فناء جيل ونشأة جيل آخر‏.‏ سبحان الحكيم العليم "

Ibn Khaldun


Image for Quotes

Ibn Khaldun quote : والانقياد إلى سواهم وسبب ذلك أن المذلة والانقياد كاسران لسورة العصبية وشدتها فإن انقيادهم ومذلتهم دليل على فقدانها فما رئموا للمذلة حتى عجزوا عن المدافعة ومن عجز عن المدافعة فأولى أن يكون عاجزاً عن المقاومة والمطالبة‏.‏ واعتبر ذلك في بني إسرائيل لما دعاهم موسى عليه السلام إلى ملك الشام وأخبرهم بأن الله قد كتب لهم ملكها كيف عجزوا عن ذلك وقالوا‏:‏ ‏