Home > Author > Wael B. Hallaq >

" وفي نظر فيبر، تمثل الحرية الفردية وتقرير المصير المستقل والعقلاني وهو ما أعاد ماركيز وصفه بـ«اللاحرية الديمقراطية»(532) توترًا ضخمًا بين النظام الأخلاقي/الروحاني وعالم المادة والمادية، أي بين أخلاقية الاهتمام بالذات وأخلاقية إرضاء الذات. هكذا تغدو قيمة الحياة خارجيةً لا داخلية. وهي تولي أهمية عظمى للانضباط والكفاءة والعمل، وهذه ثلاثةٌ من بين الدروس الكثيرة التي غرستها الدولة في مواطنيها كطبيعةٍ ثانيةٍ لهم. فمثلما أعمل من أجل العمل(533)، ومثلما يسعى مال الرأسمالية إلى تكديس الثروة، فإن الدولة توجد من أجل نفسها، وتديم نفسها لمجرد إدامة نفسها(534). وكان فيبر قد رأى في زعم التقدم الذي تزعمه الحداثة مفهومًا يضاهي «إنتاج الثروة وتراكمها والسيطرة على الطبيعة... إضافةً إلى فكرة تحرير الذات العقلانية»(535). بيد أن ثمن التقدم كان ما دعاه فيبر «الحرمان الروحاني»(536) (disenchantment)، وهو شعورٌ عميقٌ بالضياع، ضياع المقدس وضياع حالة الاكتمال ضياع الإرساء الروحي للذات في العالم والطبيعة وفي ما دعوته نظرةً كونيةً أخلاقية (Moral Cosmology). "

Wael B. Hallaq , الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي


Image for Quotes

Wael B. Hallaq quote : وفي نظر فيبر، تمثل الحرية الفردية وتقرير المصير المستقل والعقلاني وهو ما أعاد ماركيز وصفه بـ«اللاحرية الديمقراطية»(532) توترًا ضخمًا بين النظام الأخلاقي/الروحاني وعالم المادة والمادية، أي بين أخلاقية الاهتمام بالذات وأخلاقية إرضاء الذات. هكذا تغدو قيمة الحياة خارجيةً لا داخلية. وهي تولي أهمية عظمى للانضباط والكفاءة والعمل، وهذه ثلاثةٌ من بين الدروس الكثيرة التي غرستها الدولة في مواطنيها كطبيعةٍ ثانيةٍ لهم. فمثلما أعمل من أجل العمل(533)، ومثلما يسعى مال الرأسمالية إلى تكديس الثروة، فإن الدولة توجد من أجل نفسها، وتديم نفسها لمجرد إدامة نفسها(534). وكان فيبر قد رأى في زعم التقدم الذي تزعمه الحداثة مفهومًا يضاهي «إنتاج الثروة وتراكمها والسيطرة على الطبيعة... إضافةً إلى فكرة تحرير الذات العقلانية»(535). بيد أن ثمن التقدم كان ما دعاه فيبر «الحرمان الروحاني»(536) (disenchantment)، وهو شعورٌ عميقٌ بالضياع، ضياع المقدس وضياع حالة الاكتمال ضياع الإرساء الروحي للذات في العالم والطبيعة وفي ما دعوته نظرةً كونيةً أخلاقية (Moral Cosmology).