Home > Author > Gabriel García Márquez >

" لم يقُل لأحد أنه ذاهب ولم يودع أحدا واحتفظ بالكتمان الحديدي الذي لم يكشف فيه لأحد سوى أمه سر عاطفته المقهورة ، ولكنه في عشية السفر اقترف حماقة قلبية أخيرة كان يمكنها أن تكلفه حياته .


ارتدى في منتصف الليل بدلة الآحاد وعزف وحيدا تحت شُرْفة فرْمينا داثَا فالس الحب الذي وضعه لها ، والذي لا يعرفه أحد سواهما الاثنين ، وكان خلال ثلاث سنوات شعار توافقهما المتناقِض ، عزفه مدمدماً بكلمات الأُغنية على الكمان الغارق بالدموع وبإلهام زخم جعل كلاب الشارع تبدأ بالعواء منذ النغمات الأولى ، ثم تَلَتْها كلاب المدينة بأَسرها ، ولكنها أخذت تصمت بعد ذلك شيئا فشيئا في أُفُق الموسيقى الى أنْ انتهى الفالْس بِصمْت ما ورائي ، لم تُفتَح الشُرْفة ، ولم يُطِل أحد الى الشارع حتى ولا الحارس الليلي الذي يهرع عادةً بفانوسه محاولاً التحضُّر بالاستماع الى فُتات موسيقى السيرنادات الليلية .


لقد كان ذلك الفصل رقية تفريج عن فلورنْتينوأَريثَا ، لأنه ما أن خبَّأ الكمان في علبته وابتعد في الشوارع الميتة دون أن يلتفت الى الوراء حتى فقدَ الشعور بأنه سيغادر في صباح اليوم التالي وانتابه إحساس بأنه قد غادر منذ سنوات طويلة وبِقرار قاطع ألّا يعود أبدا . "

Gabriel García Márquez


Image for Quotes

Gabriel García Márquez quote : لم يقُل لأحد أنه ذاهب ولم يودع أحدا واحتفظ بالكتمان الحديدي الذي لم يكشف فيه لأحد سوى أمه سر عاطفته المقهورة ، ولكنه في عشية السفر اقترف حماقة قلبية أخيرة كان يمكنها أن تكلفه حياته .<br /><br /><br />ارتدى في منتصف الليل بدلة الآحاد وعزف وحيدا تحت شُرْفة فرْمينا داثَا فالس الحب الذي وضعه لها ، والذي لا يعرفه أحد سواهما الاثنين ، وكان خلال ثلاث سنوات شعار توافقهما المتناقِض ، عزفه مدمدماً بكلمات الأُغنية على الكمان الغارق بالدموع وبإلهام زخم جعل كلاب الشارع تبدأ بالعواء منذ النغمات الأولى ، ثم تَلَتْها كلاب المدينة بأَسرها ، ولكنها أخذت تصمت بعد ذلك شيئا فشيئا في أُفُق الموسيقى الى أنْ انتهى الفالْس بِصمْت ما ورائي ، لم تُفتَح الشُرْفة ، ولم يُطِل أحد الى الشارع حتى ولا الحارس الليلي الذي يهرع عادةً بفانوسه محاولاً التحضُّر بالاستماع الى فُتات موسيقى السيرنادات الليلية .<br /><br /><br />لقد كان ذلك الفصل رقية تفريج عن فلورنْتينوأَريثَا ، لأنه ما أن خبَّأ الكمان في علبته وابتعد في الشوارع الميتة دون أن يلتفت الى الوراء حتى فقدَ الشعور بأنه سيغادر في صباح اليوم التالي وانتابه إحساس بأنه قد غادر منذ سنوات طويلة وبِقرار قاطع ألّا يعود أبدا .