دفع "سايمون" بأن عقلانيتنا "مقيدة". [...] ووفقًا لـ "سايمون"، فنحن نحاول أن نكون عقلانيين، لكن قدرتنا على أن نكون كذلك محدودة بقسوة. فالعالم، كما دفع "سايمون"، أكثر تعقيدًا من أن يفهمه ذكاؤنا المحدود فهمًا كاملًا. وهذا يعني أن المشكلة الرئيسية التي نواجهها لاتخاذ قرار جيد كثيرًا جدًا ما تكون لا الافتقار إلى المعلومات وإنما قدرتنا المحدودة على معالجة المعلومات -وهي نقطة توضحها توضيحًا جميلًا حقيقة أن قدوم عصر الإنترنت المحتفى به لا يبدو أنه قد حسّن جودة قراراتنا، إذا حكمنا بالفوضى التي نحن فيها اليوم.
بتعبير آخر، العالم مليء باللايقين. [...] إن الشرح الأمثل لمفهوم اللايقين -أو تعقد العالم، بتعبير مختلف- قدمه، وربما كان هذا مفاجئًا، "دونالد رامسفيلد"، وزير الدفاع في حكومة "جورج و. بوش" الأولى. ففي مؤتمر صحفي بخصوص الوضع في أفغانستان عام 2002، أدلى "رامسفيلد" برأيه قائلًا: "هناك معلومات معلومة. فهناك أشياء نعلم أننا نعلمها. وهناك مجهولات معلومة. أي أن هناك أشياء نعلم الآن أننا لا نعلمها. لكن هناك أيضًا مجهولات مجهولة. فهناك أشياء لا نعلم أننا لا نعلمها". [...]
ماذا نفعل إذن، عندما يكون العالم بالغ التعقيد وتكون قدرتنا على الفهم بالغة المحدودية؟ تمثلت إجابة "سايمون" في أننا نقيد عمدًا حريتنا في الاختيار من أجل تقليل نطاق المشاكل التي يتعين علينا التعامل معها وتعقدها. [...]
المثال المفضّل عند "سايمون" على حاجتنا إلى بعض القواعد من أجل التكيف مع عقلانيتنا المحدودة هو الشطرنج. فالشطرنج، [...] قد يبدو عملية بسيطة نسبيًا، ولكنه في الحقيقة ينطوي على قدر ضخم من الحسابات. [...]
إذا كان الشطرنج معقدًا لهذه الدرجة، فلك أن تتخيل مدى تعقد الأمور في اقتصادنا، الذي يشمل مليارات الناس وملايين المنتجات. ومن ثَمّ، فبالطريقة نفسها التي بها يخلق الأفراد عادات روتينية في حياتهم اليومية أو في مباريات الشطرنج، تتبع الشركات "عادات روتينية منتجة"، تبسّط خياراتها ومسارات بحثها. إنها تبني هياكل صنع قرار وقواعد رسمية وتقاليد محددة تقيد تلقائيًا نطاق السبل التي تطرقها، حتى في حين أن السبل التي استبعدتها كليًا ربما كانت أربح. ولكنها تظل تفعل ذلك لأنها على أي نحو آخر قد تغرق في بحر من المعلومات فلا تتخذ قرارًا أبدًا. وعلى نحو مماثل، تخلق المجتمعات قواعد غير رسمية تقيد عمدًا حرية الاختيار عند الناس بحيث لا يضطرون إلى اتخاذ قرارات جديدة على الدوام."/>

Home > Author > Ha-Joon Chang >

" لعل "هربرت سايمون"، الفائز بجائزة "نوبل" في الاقتصاد لعام 1978، آخر رجال عصر النهضة على كوكب الأرض. فقد بدأ طريقه كعالم سياسي وواصلها منتقلًا إلى دراسة الإدارة العامة، وألف كتابًا أصبح كلاسيكيًا في المجال، "السلوك الإداري". وبعد أن أدلى بدلوه وقدم بعض الأوراق البحثية في الفيزياء في طريقه، انتقل إلى دراسة السلوك التنظيمي، وإدارة الأعمال، وعلم الاقتصاد، وعلم النفس الإدراكي، والذكاء الاصطناعي. إن كان هناك من يفهم كيف يفكر الناس وينظمون أنفسهم، فهو "سايمون".
دفع "سايمون" بأن عقلانيتنا "مقيدة". [...] ووفقًا لـ "سايمون"، فنحن نحاول أن نكون عقلانيين، لكن قدرتنا على أن نكون كذلك محدودة بقسوة. فالعالم، كما دفع "سايمون"، أكثر تعقيدًا من أن يفهمه ذكاؤنا المحدود فهمًا كاملًا. وهذا يعني أن المشكلة الرئيسية التي نواجهها لاتخاذ قرار جيد كثيرًا جدًا ما تكون لا الافتقار إلى المعلومات وإنما قدرتنا المحدودة على معالجة المعلومات -وهي نقطة توضحها توضيحًا جميلًا حقيقة أن قدوم عصر الإنترنت المحتفى به لا يبدو أنه قد حسّن جودة قراراتنا، إذا حكمنا بالفوضى التي نحن فيها اليوم.
بتعبير آخر، العالم مليء باللايقين. [...] إن الشرح الأمثل لمفهوم اللايقين -أو تعقد العالم، بتعبير مختلف- قدمه، وربما كان هذا مفاجئًا، "دونالد رامسفيلد"، وزير الدفاع في حكومة "جورج و. بوش" الأولى. ففي مؤتمر صحفي بخصوص الوضع في أفغانستان عام 2002، أدلى "رامسفيلد" برأيه قائلًا: "هناك معلومات معلومة. فهناك أشياء نعلم أننا نعلمها. وهناك مجهولات معلومة. أي أن هناك أشياء نعلم الآن أننا لا نعلمها. لكن هناك أيضًا مجهولات مجهولة. فهناك أشياء لا نعلم أننا لا نعلمها". [...]
ماذا نفعل إذن، عندما يكون العالم بالغ التعقيد وتكون قدرتنا على الفهم بالغة المحدودية؟ تمثلت إجابة "سايمون" في أننا نقيد عمدًا حريتنا في الاختيار من أجل تقليل نطاق المشاكل التي يتعين علينا التعامل معها وتعقدها. [...]
المثال المفضّل عند "سايمون" على حاجتنا إلى بعض القواعد من أجل التكيف مع عقلانيتنا المحدودة هو الشطرنج. فالشطرنج، [...] قد يبدو عملية بسيطة نسبيًا، ولكنه في الحقيقة ينطوي على قدر ضخم من الحسابات. [...]
إذا كان الشطرنج معقدًا لهذه الدرجة، فلك أن تتخيل مدى تعقد الأمور في اقتصادنا، الذي يشمل مليارات الناس وملايين المنتجات. ومن ثَمّ، فبالطريقة نفسها التي بها يخلق الأفراد عادات روتينية في حياتهم اليومية أو في مباريات الشطرنج، تتبع الشركات "عادات روتينية منتجة"، تبسّط خياراتها ومسارات بحثها. إنها تبني هياكل صنع قرار وقواعد رسمية وتقاليد محددة تقيد تلقائيًا نطاق السبل التي تطرقها، حتى في حين أن السبل التي استبعدتها كليًا ربما كانت أربح. ولكنها تظل تفعل ذلك لأنها على أي نحو آخر قد تغرق في بحر من المعلومات فلا تتخذ قرارًا أبدًا. وعلى نحو مماثل، تخلق المجتمعات قواعد غير رسمية تقيد عمدًا حرية الاختيار عند الناس بحيث لا يضطرون إلى اتخاذ قرارات جديدة على الدوام. "

Ha-Joon Chang , 23 Things They Don't Tell You about Capitalism


Image for Quotes

Ha-Joon Chang quote : لعل دفع "سايمون" بأن عقلانيتنا "مقيدة". [...] ووفقًا لـ "سايمون"، فنحن نحاول أن نكون عقلانيين، لكن قدرتنا على أن نكون كذلك محدودة بقسوة. فالعالم، كما دفع "سايمون"، أكثر تعقيدًا من أن يفهمه ذكاؤنا المحدود فهمًا كاملًا. وهذا يعني أن المشكلة الرئيسية التي نواجهها لاتخاذ قرار جيد كثيرًا جدًا ما تكون لا الافتقار إلى المعلومات وإنما قدرتنا المحدودة على معالجة المعلومات -وهي نقطة توضحها توضيحًا جميلًا حقيقة أن قدوم عصر الإنترنت المحتفى به لا يبدو أنه قد حسّن جودة قراراتنا، إذا حكمنا بالفوضى التي نحن فيها اليوم.
بتعبير آخر، العالم مليء باللايقين. [...] إن الشرح الأمثل لمفهوم اللايقين -أو تعقد العالم، بتعبير مختلف- قدمه، وربما كان هذا مفاجئًا، "دونالد رامسفيلد"، وزير الدفاع في حكومة "جورج و. بوش" الأولى. ففي مؤتمر صحفي بخصوص الوضع في أفغانستان عام 2002، أدلى "رامسفيلد" برأيه قائلًا: "هناك معلومات معلومة. فهناك أشياء نعلم أننا نعلمها. وهناك مجهولات معلومة. أي أن هناك أشياء نعلم الآن أننا لا نعلمها. لكن هناك أيضًا مجهولات مجهولة. فهناك أشياء لا نعلم أننا لا نعلمها". [...]
ماذا نفعل إذن، عندما يكون العالم بالغ التعقيد وتكون قدرتنا على الفهم بالغة المحدودية؟ تمثلت إجابة "سايمون" في أننا نقيد عمدًا حريتنا في الاختيار من أجل تقليل نطاق المشاكل التي يتعين علينا التعامل معها وتعقدها. [...]
المثال المفضّل عند "سايمون" على حاجتنا إلى بعض القواعد من أجل التكيف مع عقلانيتنا المحدودة هو الشطرنج. فالشطرنج، [...] قد يبدو عملية بسيطة نسبيًا، ولكنه في الحقيقة ينطوي على قدر ضخم من الحسابات. [...]
إذا كان الشطرنج معقدًا لهذه الدرجة، فلك أن تتخيل مدى تعقد الأمور في اقتصادنا، الذي يشمل مليارات الناس وملايين المنتجات. ومن ثَمّ، فبالطريقة نفسها التي بها يخلق الأفراد عادات روتينية في حياتهم اليومية أو في مباريات الشطرنج، تتبع الشركات "عادات روتينية منتجة"، تبسّط خياراتها ومسارات بحثها. إنها تبني هياكل صنع قرار وقواعد رسمية وتقاليد محددة تقيد تلقائيًا نطاق السبل التي تطرقها، حتى في حين أن السبل التي استبعدتها كليًا ربما كانت أربح. ولكنها تظل تفعل ذلك لأنها على أي نحو آخر قد تغرق في بحر من المعلومات فلا تتخذ قرارًا أبدًا. وعلى نحو مماثل، تخلق المجتمعات قواعد غير رسمية تقيد عمدًا حرية الاختيار عند الناس بحيث لا يضطرون إلى اتخاذ قرارات جديدة على الدوام." style="width:100%;margin:20px 0;"/>