Home > Author > عبد الوهاب المسيري >

" بماذا تفسر أنه تم تبني الحداثة الغربية من قبل أعضاء النخب العربية المستغربة وأعضاء الأقليات الإثنية والدينية، وأن هؤلاء هم الذين يقومون بالترويج لمفاهيمها ولأسلوب الحياة المتفرع عنها؟ ج: أرى أن أعضاء الجماعات الإثنية والدينية المختلفة التي يطلق عليها الأقليات في أي مجتمع لها دور متميز يمكن أن يكون تفكيكياً عدمياً، كما يمكن أن يكون تركيبياً ومبدعاً، ويتوقف هذا على اللحظة التاريخية، وعلى بناء المجتمع، وبناء الأقلية ذاتها، وطبيعة التدخل الاستعماري، وعناصر أخرى كثيرة، بعضها مادي، وبعضها غير مادي. ويلاحظ أن بعض أعضاء هذه الأقليات بسبب هامشيتهم لا يدركون مدى ثراء تراث المجتمع الذي ينتمون إليه، ومدى أهمية هوية هذا المجتمع. كما أنهم عادةً ما يكونون أكثر انفتاحاً على العالم الغربي. ومن هنا دورهم الريادي. أما بخصوص النخب الحاكمة الغربية المستغربة، فأعضاء هذه النخب فقدت علاقتها بتراثها وانقطعت جذورها، فضاقت ذرعاً بهويتها وتود التخلص منها، حتى يمكنها اللحاق بركب الحضارة الغربية. في إحدى قصص كتاب (المرايا) لنجيب محفوظ، يوجد مدرس لغة إنجليزية تأنجل إلى درجة أنه كان يرتدي (بيريه) ويدخن (البايب) ويتحدث بلكنة إنجليزية أو عربية مطعمة بالإنجليزية. وكان شعاره "لو لم أكن مصرياً، لوددت أن أكون أي حاجة تانية يا ولاد الكلب". وهذا يلخص بشكل كوميدي كاريكاتوري موقف أعضاء النخب الحاكمة والثقافة التي تم تغريبها تماماً. ولعل هذا يفسر لم ترى الجماهير أن الحداثة الغربية، مسألة مستوردة وأنها أتت على حراب المستعمرين، وأنها لا تكن لهم ولتراثهم ولهويتهم أي احترام، فدعاة هذه الحداثة يرون أن مثل هذه الأمور ليس معطى أساسياً وإنما عبئاً يجب التخلص منه. "

عبد الوهاب المسيري , العلمانية والحداثة والعولمة


Image for Quotes

عبد الوهاب المسيري quote : بماذا تفسر أنه تم تبني الحداثة الغربية من قبل أعضاء النخب العربية المستغربة وأعضاء الأقليات الإثنية والدينية، وأن هؤلاء هم الذين يقومون بالترويج لمفاهيمها ولأسلوب الحياة المتفرع عنها؟ ج: أرى أن أعضاء الجماعات الإثنية والدينية المختلفة التي يطلق عليها الأقليات في أي مجتمع لها دور متميز يمكن أن يكون تفكيكياً عدمياً، كما يمكن أن يكون تركيبياً ومبدعاً، ويتوقف هذا على اللحظة التاريخية، وعلى بناء المجتمع، وبناء الأقلية ذاتها، وطبيعة التدخل الاستعماري، وعناصر أخرى كثيرة، بعضها مادي، وبعضها غير مادي. ويلاحظ أن بعض أعضاء هذه الأقليات بسبب هامشيتهم لا يدركون مدى ثراء تراث المجتمع الذي ينتمون إليه، ومدى أهمية هوية هذا المجتمع. كما أنهم عادةً ما يكونون أكثر انفتاحاً على العالم الغربي. ومن هنا دورهم الريادي. أما بخصوص النخب الحاكمة الغربية المستغربة، فأعضاء هذه النخب فقدت علاقتها بتراثها وانقطعت جذورها، فضاقت ذرعاً بهويتها وتود التخلص منها، حتى يمكنها اللحاق بركب الحضارة الغربية. في إحدى قصص كتاب (المرايا) لنجيب محفوظ، يوجد مدرس لغة إنجليزية تأنجل إلى درجة أنه كان يرتدي (بيريه) ويدخن (البايب) ويتحدث بلكنة إنجليزية أو عربية مطعمة بالإنجليزية. وكان شعاره