Home > Author > Sayed Qutb >

" (فكذب وعصى). . وانتهى مشهد اللقاء والتبليغ عند التكذيب والمعصية في اختصار وإجمال !
ثم يعرض مشهدا آخر . مشهد فرعون يتولى عن موسى , ويسعى في جمع السحرة للمباراة بين السحر والحق . حين عز عليه أن يستسلم للحق والهدى: ( ثم أدبر يسعى . فحشر فنادى . فقال:أنا ربكم الأعلى). .
ويسارع السياق هنا إلى عرض قولة الطاغية الكافرة , مجملا مشاهد سعيه وحشره للسحرة وتفصيلاتها . فقد أدبر يسعى في الكيد والمحاولة فحشر السحرة والجماهير
ثم انطلقت منه الكلمة الوقحة المتطاولة , المليئة بالغرور والجهالة: (أنا ربكم الأعلى). .

قالها الطاغية مخدوعا بغفلة جماهيره , وإذعانها وانقيادها .
فما يخدع الطغاة شيء ما تخدعهم غفلة الجماهير وذلتها وطاعتها وانقيادها .
وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة ولا سلطانا .
إنما هي الجماهير الغافلة الذلول , تمطي له ظهرها فيركب !
وتمد له أعناقها فيجر !
وتحني له رؤوسها فيستعلي !
وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغى !

والجماهير تفعل هذا مخدوعة من جهة وخائفة من جهة أخرى .
وهذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم .
فالطاغية - وهو فرد - لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف والملايين ,
لو أنها شعرت بإنسانيتها وكرامتها وعزتها وحريتها .
وكل فرد فيها هو كفء للطاغية من ناحية القوة ولكن الطاغية يخدعها فيوهمها أنه يملك لها شيئا !
وما يمكن أن يطغى فرد في أمة كريمة أبدا .
وما يمكن أن يطغى فرد في أمة رشيدة أبدا .
وما يمكن أن يطغى فرد في أمة تعرف ربها وتؤمن به وتأبى أن تتعبد لواحد من خلقه لا يملك لها ضرا ولا رشدا !

فأما فرعون فوجد في قومه من الغفلة ومن الذلة ومن خواء القلب من الإيمان , ما جرؤ به على قول هذه الكلمة الكافرة الفاجرة: (أنا ربكم الأعلى). .
وما كان ليقولها أبدا لو وجد أمة واعية كريمة مؤمنة , تعرف أنه عبد ضعيف لا يقدر على شيء .
وإن يسلبه الذباب شيئا لا يستنقذ من الذباب شيئا !

وأمام هذا التطاول الوقح , بعد الطغيان البشع , تحركت القوة الكبرى:
(فأخذه الله نكال الآخرة والأولى). .
ويقدم هنا نكال الآخرة على نكال الأولى . . لأنه أشد وأبقى .
فهو النكال الحقيقي الذي يأخذ الطغاة والعصاة بشدته وبخلوده .
. ولأنه الأنسب في هذا السياق الذي يتحدث عن الآخرة ويجعلها موضوعه الرئيسي .
. ولأنه يتسق لفظيا مع الإيقاع الموسيقي في القافية بعد اتساقه معنويا مع الموضوع الرئيسي , ومع الحقيقة الأصيلة .
ونكال الأولى كان عنيفا قاسيا . فكيف بنكال الآخرة وهو أشد وأنكى ?
وفرعون كان ذا قوة وسلطان
ومجد موروث عريق ; فكيف بغيره من المكذبين ?
وكيف بهؤلاء الذين يواجهون الدعوة من المشركين ?
(إن في ذلك لعبرة لمن يخشى(. .
فالذي يعرف ر "

Sayed Qutb , في ظلال القرآن #6


Image for Quotes

Sayed Qutb quote : (فكذب وعصى). . وانتهى مشهد اللقاء والتبليغ عند التكذيب والمعصية في اختصار وإجمال !<br />ثم يعرض مشهدا آخر . مشهد فرعون يتولى عن موسى , ويسعى في جمع السحرة للمباراة بين السحر والحق . حين عز عليه أن يستسلم للحق والهدى: ( ثم أدبر يسعى . فحشر فنادى . فقال:أنا ربكم الأعلى). .<br />ويسارع السياق هنا إلى عرض قولة الطاغية الكافرة , مجملا مشاهد سعيه وحشره للسحرة وتفصيلاتها . فقد أدبر يسعى في الكيد والمحاولة فحشر السحرة والجماهير<br />ثم انطلقت منه الكلمة الوقحة المتطاولة , المليئة بالغرور والجهالة: (أنا ربكم الأعلى). . <br /><br />قالها الطاغية مخدوعا بغفلة جماهيره , وإذعانها وانقيادها .<br /> فما يخدع الطغاة شيء ما تخدعهم غفلة الجماهير وذلتها وطاعتها وانقيادها .<br /> وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة ولا سلطانا .<br /> إنما هي الجماهير الغافلة الذلول , تمطي له ظهرها فيركب ! <br />وتمد له أعناقها فيجر ! <br />وتحني له رؤوسها فيستعلي ! <br />وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغى ! <br /><br />والجماهير تفعل هذا مخدوعة من جهة وخائفة من جهة أخرى . <br />وهذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم .<br /> فالطاغية - وهو فرد - لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف والملايين ,<br /> لو أنها شعرت بإنسانيتها وكرامتها وعزتها وحريتها . <br />وكل فرد فيها هو كفء للطاغية من ناحية القوة ولكن الطاغية يخدعها فيوهمها أنه يملك لها شيئا ! <br />وما يمكن أن يطغى فرد في أمة كريمة أبدا . <br />وما يمكن أن يطغى فرد في أمة رشيدة أبدا .<br /> وما يمكن أن يطغى فرد في أمة تعرف ربها وتؤمن به وتأبى أن تتعبد لواحد من خلقه لا يملك لها ضرا ولا رشدا ! <br /><br />فأما فرعون فوجد في قومه من الغفلة ومن الذلة ومن خواء القلب من الإيمان , ما جرؤ به على قول هذه الكلمة الكافرة الفاجرة: (أنا ربكم الأعلى). .<br /> وما كان ليقولها أبدا لو وجد أمة واعية كريمة مؤمنة , تعرف أنه عبد ضعيف لا يقدر على شيء .<br /> وإن يسلبه الذباب شيئا لا يستنقذ من الذباب شيئا !<br /><br />وأمام هذا التطاول الوقح , بعد الطغيان البشع , تحركت القوة الكبرى: <br />(فأخذه الله نكال الآخرة والأولى). . <br />ويقدم هنا نكال الآخرة على نكال الأولى . . لأنه أشد وأبقى .<br /> فهو النكال الحقيقي الذي يأخذ الطغاة والعصاة بشدته وبخلوده . <br />. ولأنه الأنسب في هذا السياق الذي يتحدث عن الآخرة ويجعلها موضوعه الرئيسي . <br />. ولأنه يتسق لفظيا مع الإيقاع الموسيقي في القافية بعد اتساقه معنويا مع الموضوع الرئيسي , ومع الحقيقة الأصيلة . <br />ونكال الأولى كان عنيفا قاسيا . فكيف بنكال الآخرة وهو أشد وأنكى ?<br /> وفرعون كان ذا قوة وسلطان <br />ومجد موروث عريق ; فكيف بغيره من المكذبين ? <br />وكيف بهؤلاء الذين يواجهون الدعوة من المشركين ?<br />(إن في ذلك لعبرة لمن يخشى(. . <br />فالذي يعرف ر