Home > Author > أحمد شوقي >

" نظرَ الليثُ إلى عجلٍ سمينْ :: كان بالقربِ على غيْطٍ أَمينْ

فاشتهتْ من لحمه نفسُ الرئيس :: وكذا الأنفسُ يصبيها النفيس

قال للثعلبِ: يا ذا الاحتيال :: رأسكَ المحبوبُ، أو ذاك الغزال!

فدعا بالسعدِ والعمرِ الطويل :: ومضى في الحالِ للأمرِ الجليل

وأتى الغيظَ وقد جنَّ الظلام :: فأرى العجلَ فأهداهُ السلام

قائلاً: يا أيها الموْلى الوزيرْ :: أنت أهلُ العفوِ والبرِّ الغزير

حملَ الذئبَ على قتلي الحسد :: فوشَى بي عندَ مولانا الأَسد

فترامَيْتُ على الجاهِ الرفيع :: وهْوَ فينا لم يزَل نِعمَ الشَّفيع!

فبكى المغرورُ من حالِ الخبيث :: ودنا يسأَلُ عن شرح الحديث

قال: هل تَجهلُ يا حُلْوَ الصِّفات :: أَنّ مولانا أَبا الأَفيالِ مات؟

فرأَى السُّلطانُ في الرأْس الكبير :: ولأَمْرِ المُلكِ ركناً يُذخر

ولقد عدُّوا لكم بين الجُدود :: مثل آبيسَ ومعبودِ اليهود

فأَقاموا لمعاليكم سرِير :: عن يمين الملكِ السامي الخطير

واستَعدّ الطير والوحشُ لذاك :: في انتظار السيدِ العالي هناك

فإذا قمتمْ بأَعباءِ الأُمورْ وانتَهى :: الأُنسُ إليكم والسرورْ

برِّئُوني عندَ سُلطانِ الزمان :: واطلبوا لي العَفْوَ منه والأمان

وكفاكم أنني العبدُ المطيع :: أخدمُ المنعمَ جهدَ المستطيع

فأحدَّ العجلُ قرنيه، وقال: :: أَنت مُنذُ اليومِ جاري، لا تُنال!

فامْضِ واكشِفْ لي إلى الليثِ الطريق :: أنا لا يشقى لديه بي رفيق

فمَضى الخِلاَّنِ تَوّاً للفَلاه :: ذا إلى الموتِ، وهذا للحياه

وهناك ابتلعَ الليثُ الوزير :: وحبا الثعلبَ منه باليسير

فانثنى يضحكُ من طيشِ العُجولْ :: وجَرى في حَلْبَة ِ الفَخْر يقولْ:

سلمَ الثعلبُ بالرأسِ الصغير فقداه كلُّ ذي رأسٍ كبير! "

أحمد شوقي


Image for Quotes

أحمد شوقي quote : نظرَ الليثُ إلى عجلٍ سمينْ :: كان بالقربِ على غيْطٍ أَمينْ<br /><br />فاشتهتْ من لحمه نفسُ الرئيس :: وكذا الأنفسُ يصبيها النفيس<br /><br />قال للثعلبِ: يا ذا الاحتيال :: رأسكَ المحبوبُ، أو ذاك الغزال!<br /><br />فدعا بالسعدِ والعمرِ الطويل :: ومضى في الحالِ للأمرِ الجليل<br /><br />وأتى الغيظَ وقد جنَّ الظلام :: فأرى العجلَ فأهداهُ السلام<br /><br />قائلاً: يا أيها الموْلى الوزيرْ :: أنت أهلُ العفوِ والبرِّ الغزير<br /><br />حملَ الذئبَ على قتلي الحسد :: فوشَى بي عندَ مولانا الأَسد<br /><br />فترامَيْتُ على الجاهِ الرفيع :: وهْوَ فينا لم يزَل نِعمَ الشَّفيع!<br /><br />فبكى المغرورُ من حالِ الخبيث :: ودنا يسأَلُ عن شرح الحديث<br /><br />قال: هل تَجهلُ يا حُلْوَ الصِّفات :: أَنّ مولانا أَبا الأَفيالِ مات؟<br /><br />فرأَى السُّلطانُ في الرأْس الكبير :: ولأَمْرِ المُلكِ ركناً يُذخر<br /><br />ولقد عدُّوا لكم بين الجُدود :: مثل آبيسَ ومعبودِ اليهود<br /><br />فأَقاموا لمعاليكم سرِير :: عن يمين الملكِ السامي الخطير<br /><br />واستَعدّ الطير والوحشُ لذاك :: في انتظار السيدِ العالي هناك<br /><br />فإذا قمتمْ بأَعباءِ الأُمورْ وانتَهى :: الأُنسُ إليكم والسرورْ<br /><br />برِّئُوني عندَ سُلطانِ الزمان :: واطلبوا لي العَفْوَ منه والأمان<br /><br />وكفاكم أنني العبدُ المطيع :: أخدمُ المنعمَ جهدَ المستطيع<br /><br />فأحدَّ العجلُ قرنيه، وقال: :: أَنت مُنذُ اليومِ جاري، لا تُنال!<br /><br />فامْضِ واكشِفْ لي إلى الليثِ الطريق :: أنا لا يشقى لديه بي رفيق<br /><br />فمَضى الخِلاَّنِ تَوّاً للفَلاه :: ذا إلى الموتِ، وهذا للحياه<br /><br />وهناك ابتلعَ الليثُ الوزير :: وحبا الثعلبَ منه باليسير<br /><br />فانثنى يضحكُ من طيشِ العُجولْ :: وجَرى في حَلْبَة ِ الفَخْر يقولْ:<br /><br />سلمَ الثعلبُ بالرأسِ الصغير فقداه كلُّ ذي رأسٍ كبير!