الله ميت. وعرشه خال. وسنتوج أنفسنا مكانه. هل نظل وحدنا تماما في العالم؟ وهل رحل السيد؟ يكفي هذا. من الآن لن نعمل لأنه يأمرنا بذلك. وليس لأنا نخاف او نطمح. بل لأننا نحن أنفسنا نريد أن نعمل. إن العود الأزلي خاو من الأمل والسوبرمان هو الأمل العظيم.


وإنني لأتساءل عما إذا كان قد سبق لي ان سمعت صرخة كهذه على الأرض من قبل، صرخة فيها من الكبرياء ما يكفي لاحتقار الأمل. حتى نيتشه استسلم للرعب لوهلة. لقد صدمه (العود الأزلي)، بأنه استثهاد لا متناه . ومن خوفه صاغ أملا عظيما، منقذ للمستقبل، السوبرمان . ولكن السوبرمان ليس إلا فردوسا آخر، سرابا آخر يخدع الإنسان التعيس المسكين ويمكنه من تحمل الحياة والموت. ص289"/>

Home > Author > Nikos Kazantzakis >

" نيتشه - الشهيد العظيم 279-278

إن العود الأزلي خاو من الأمل والسوبرمان هو الأمل العظيم.

كيف يمكن تحقيق المصالحة بين هاتين النظرتين المتناقضتين للعالم؟

ذات يوم بينما كنت تتمشى في أنغادين توقفت فجاة. لجمك الرعب وأنت تفكر في أن الزمن لا يحد. بينما المادة محدودة. ولذا فلابد أن تأتي لحظة جديدة تعود فيها تركيبات المادة هذه إلى الحياة كما كانت من قبل. بعد آلاف من القرون سيقف شخص مثلك، والحقيقة أنه أنت بالذات، على هذه الصخرة ذاتها ويعيد اكتشاف الفكرة ذاتها.

ولن يتكرر هذا مرة واحدة فقط بل عددا لا يحصى من المرات. ولذا فلا أمل في مستقبل أفضل. لا خلاص. سظل ندور إلى الأبد على عجلة الزمن ذاتها. وبهذه الطريقة يصبح لأكثر الأمور عرضة للفناء خلودها، ويصيح لأكبر أعمالنا أهمية لا تقاس.

غرقت في نشوة الألم . فهذا كله كان يعني ان معاناتك لا حدود لها. وأن معاناة العالم لا شفاء منها. ولكن كبرياء الزاهد فيك جعلتك تتقبل الشهادة بفرح.

وقلت لنفسك إن عملا جديدا يجب ان يخلق . وإن من واجبي ان أخلقه. وذلك لطرح إنجيل جديد على البشرية. ولكن بأية صيغة؟ النهج الفلسفي؟ لا. يجب ان ينسكب الفكر غنائيا. ملحمة؟ نبوءات؟ . وأبرق في ذهنك زرادشت.

ووسط هذا الألم الممتع وجدتك لوسالوم، السلافية النارية ذات الفكر المتوقد والمليئة بالإثارة والفضول، والتي انحنت أمامك، أيها الشهيد العظيم، وراحت تستمع إليك باهتمام.
بذلت نفسك لها فاستنزفتها وهي لا تعرف الشبع حتى جففتها. كم من السنوات قد مرت منذ أن فتحت قلبك بمثل تلك الثقة، واستمتعت بالتوهج والاهتياج والإنتاجية التي تثيرها فينا النساء، وأحسست بقلبك يذوب تحت درعك الحربي الثقيل! في ذلك المساء حين دخلت حجرة تصوفك، كان هواء حياتك عبقا لأول مرة برائحة امرأة ورحت تستنشقه بعمق.

تحقيق السوبرمان . وكان الغود الأزلي يخنقك . كان السوبرمان هو شيميرا الجديد الذي يستطيع القضاء على رعب الحياة.

ليس الفن، بعد، بل القدرة . اعتبرت الإله طاحونة هوائية، يا دون كيشوت، ورحت تدكه. أعلنت "مات الله". وأوصلتناإلى حافة الهاوية. هناك أمل وحيد: على الإنسان أن يتخطى طبيعته ويخلق السوبرمان. وسيقع على عاتقه عبء الإدارة الكاملة والتنظيم الشامل للكون (كوسموس) وسكون لديه القدرة على تحمل هذه المسؤولية.

الله ميت. وعرشه خال. وسنتوج أنفسنا مكانه. هل نظل وحدنا تماما في العالم؟ وهل رحل السيد؟ يكفي هذا. من الآن لن نعمل لأنه يأمرنا بذلك. وليس لأنا نخاف او نطمح. بل لأننا نحن أنفسنا نريد أن نعمل. إن العود الأزلي خاو من الأمل والسوبرمان هو الأمل العظيم.


وإنني لأتساءل عما إذا كان قد سبق لي ان سمعت صرخة كهذه على الأرض من قبل، صرخة فيها من الكبرياء ما يكفي لاحتقار الأمل. حتى نيتشه استسلم للرعب لوهلة. لقد صدمه (العود الأزلي)، بأنه استثهاد لا متناه . ومن خوفه صاغ أملا عظيما، منقذ للمستقبل، السوبرمان . ولكن السوبرمان ليس إلا فردوسا آخر، سرابا آخر يخدع الإنسان التعيس المسكين ويمكنه من تحمل الحياة والموت. ص289 "

Nikos Kazantzakis , Report to Greco


Image for Quotes

Nikos Kazantzakis quote : نيتشه - الشهيد العظيم 279-278<br /><br />إن العود الأزلي خاو من الأمل والسوبرمان هو الأمل العظيم.<br /><br />كيف يمكن تحقيق المصالحة بين هاتين النظرتين المتناقضتين للعالم؟<br /><br />ذات يوم بينما كنت تتمشى في أنغادين توقفت فجاة. لجمك الرعب وأنت تفكر في أن الزمن لا يحد. بينما المادة محدودة. ولذا فلابد أن تأتي لحظة جديدة تعود فيها تركيبات المادة هذه إلى الحياة كما كانت من قبل. بعد آلاف من القرون سيقف شخص مثلك، والحقيقة أنه أنت بالذات، على هذه الصخرة ذاتها ويعيد اكتشاف الفكرة ذاتها.<br /><br />ولن يتكرر هذا مرة واحدة فقط بل عددا لا يحصى من المرات. ولذا فلا أمل في مستقبل أفضل. لا خلاص. سظل ندور إلى الأبد على عجلة الزمن ذاتها. وبهذه الطريقة يصبح لأكثر الأمور عرضة للفناء خلودها، ويصيح لأكبر أعمالنا أهمية لا تقاس.<br /><br />غرقت في نشوة الألم . فهذا كله كان يعني ان معاناتك لا حدود لها. وأن معاناة العالم لا شفاء منها. ولكن كبرياء الزاهد فيك جعلتك تتقبل الشهادة بفرح.<br /><br />وقلت لنفسك إن عملا جديدا يجب ان يخلق . وإن من واجبي ان أخلقه. وذلك لطرح إنجيل جديد على البشرية. ولكن بأية صيغة؟ النهج الفلسفي؟ لا. يجب ان ينسكب الفكر غنائيا. ملحمة؟ نبوءات؟ . وأبرق في ذهنك زرادشت.<br /><br />ووسط هذا الألم الممتع وجدتك لوسالوم، السلافية النارية ذات الفكر المتوقد والمليئة بالإثارة والفضول، والتي انحنت أمامك، أيها الشهيد العظيم، وراحت تستمع إليك باهتمام.<br />بذلت نفسك لها فاستنزفتها وهي لا تعرف الشبع حتى جففتها. كم من السنوات قد مرت منذ أن فتحت قلبك بمثل تلك الثقة، واستمتعت بالتوهج والاهتياج والإنتاجية التي تثيرها فينا النساء، وأحسست بقلبك يذوب تحت درعك الحربي الثقيل! في ذلك المساء حين دخلت حجرة تصوفك، كان هواء حياتك عبقا لأول مرة برائحة امرأة ورحت تستنشقه بعمق.<br /><br />تحقيق السوبرمان . وكان الغود الأزلي يخنقك . كان السوبرمان هو شيميرا الجديد الذي يستطيع القضاء على رعب الحياة.<br /><br />ليس الفن، بعد، بل القدرة . اعتبرت الإله طاحونة هوائية، يا دون كيشوت، ورحت تدكه. أعلنت
الله ميت. وعرشه خال. وسنتوج أنفسنا مكانه. هل نظل وحدنا تماما في العالم؟ وهل رحل السيد؟ يكفي هذا. من الآن لن نعمل لأنه يأمرنا بذلك. وليس لأنا نخاف او نطمح. بل لأننا نحن أنفسنا نريد أن نعمل. إن العود الأزلي خاو من الأمل والسوبرمان هو الأمل العظيم.


وإنني لأتساءل عما إذا كان قد سبق لي ان سمعت صرخة كهذه على الأرض من قبل، صرخة فيها من الكبرياء ما يكفي لاحتقار الأمل. حتى نيتشه استسلم للرعب لوهلة. لقد صدمه (العود الأزلي)، بأنه استثهاد لا متناه . ومن خوفه صاغ أملا عظيما، منقذ للمستقبل، السوبرمان . ولكن السوبرمان ليس إلا فردوسا آخر، سرابا آخر يخدع الإنسان التعيس المسكين ويمكنه من تحمل الحياة والموت. ص289" style="width:100%;margin:20px 0;"/>