Home > Author > Nikos Kazantzakis >

" نيتشه - الشهيد العظيم - ابوللو ، ديونيزوس ، سقراط ص275

كان أبولو وديونيزوس هما الازدواج المقدس الذي ولد المأساة ٠ أبولو يحلم بتوافق العالم وجماله وهو يراه في صيغ منسجمة٠ راسخا في تفرده وسكونه كان يقف وسط بحر الظلواهر المتلاطمة وهو مستمتع بالأمواج التي كانت تغيظه في أحلامه ٠ نظرته مليئة بالنور ، وحتى حين كان الحزن أو الغضب يهيمنان عليه لم يستطيعا تمزيق التناغم الوحدوي المقدس ٠

ديونيزوس يمزق التفرد ، ويلقي بنفسه في بحر الظواهر ويلحق بالأمواج الرهيبة المتلألئة المتقلبة ٠ وتآخي البشر مع الوحوش ٠ وصار الموت ذاته يرى كأحد أقنعة الحياة ٠ وينقسم الوهم متعدد الصيغ والمنتشر باطراد الى قسمين ونرى انفسنا وجها لوجه مع الحقيقة ٠ أية حقيقة ؟ حقيقة اننا جميعا واحد ، واننا جميعا ومعا نخلق الها ، وان الله ليس سلف الانسان بل حفيده ٠

كان اليونانيون ، وهم محصنون في حصن ابولو ، يكافحون في البدء لاقامة حاجز في وجه هذه القوى الديونيزوسية المنفلتة من عقالها والتي كانت تأتي عبر الطرق البحرية والبرية لتلقي بنفسها على الأرض اليونانية ٠ لكنهم كانوا عاجزين عن ترويض ديونيزوس ترويضا كامالا ٠ والتقى الالهان في منازلة دون ان يتمكن أحدهما من اخضاع الآخر فأصبحا صديقين وخلقا المأساة ٠

تحررت الطقوس الديونيزوسية من وحشيتها ، وغسلتها رقة الحلم المضبوطة ، وكللتها بالبهاء ٠ غير أن ديونيزوس ظل البطل الدائم والوحيد للمأساة ٠ إن أبطال المأساة وبطلاتها جميعا هم ببساطة أقنعة للإله — هم ابتسامات ودموع ملطفة تتألق بالعظمة الأبولونية ٠

ثم تلاشت المأساة اليونانية بغتة ٠ اغتالها التحليل المنطقي ٠ قام سقراط ، بجدلياته ، بقتل الرصانة الأبولونية والثمالة الديونيزوسية ٠ وانحطت المأساة على يدي يوربيديس إلى مستوى بشري بدلا من العاطغة الإلهية ، وإلى موعظة سوفسطائية للدعوة للأفكار الجديدة ٠ فقدت جوهرها المأساوي وتبددت ٠

غير أن الثمالة الديو نيزوسية بقيت . وخلدت نفسها في مذاهب سرية، وفي لحظات الفرح العظيمة في حياة الإنسان. وكنت أتساءل عما إذا كانت ستستطيع أن تكسو نفسها مرة أخرى بلحم الفن المقدس. وهل سُتبقي الروح السقراطية - بتعبير آخر: العلم - ديونيزوس في قيوده إلى الأبد؟ أم لعله بعد أن أدرك العقل البشري حدوده يمكن لحضارة جديدة أن تظهر، ويكون سقراط رمزها، سقراط الذي تعلم الموسيقى أخيراً؟

حتى ذلك الحين كان المثل الأعلى لحضارتنا هو الباحث الاسكندراني. غير أن التاج الذي على راس العلم بدأ يتقلقل. فالروح الديونيزوسية كانت دائماً تعود إلى الاستيقاظ. .. وأعلنت الموسيقى الألمانية من باخ إلى فاغنر عن مجيئها. بدأ فجر "حضارة مأساوية" جديدة بالبزوغ. وبدأت المأساة تعاني بعثها. فكيف تم تحول عالم الوهم هذا، صحراء شوبنهاور المعتمة؟ وكيف وقع كل ما هو ميت وساكن في عصف دوامة النقد الألماني! وهتف النبي الشاب: نعم يا أصدقائي! تعلموا أن تؤمنوا، كما أؤمن، بالحياة الديونيزوسية وببعث المأساة الديونيزوسية. لقد انتهى العصر السقراطي. "

Nikos Kazantzakis , Report to Greco


Image for Quotes

Nikos Kazantzakis quote : نيتشه - الشهيد العظيم - ابوللو ، ديونيزوس ، سقراط ص275<br /><br />كان أبولو وديونيزوس هما الازدواج المقدس الذي ولد المأساة ٠ أبولو يحلم بتوافق العالم وجماله وهو يراه في صيغ منسجمة٠ راسخا في تفرده وسكونه كان يقف وسط بحر الظلواهر المتلاطمة وهو مستمتع بالأمواج التي كانت تغيظه في أحلامه ٠ نظرته مليئة بالنور ، وحتى حين كان الحزن أو الغضب يهيمنان عليه لم يستطيعا تمزيق التناغم الوحدوي المقدس ٠<br /><br />ديونيزوس يمزق التفرد ، ويلقي بنفسه في بحر الظواهر ويلحق بالأمواج الرهيبة المتلألئة المتقلبة ٠ وتآخي البشر مع الوحوش ٠ وصار الموت ذاته يرى كأحد أقنعة الحياة ٠ وينقسم الوهم متعدد الصيغ والمنتشر باطراد الى قسمين ونرى انفسنا وجها لوجه مع الحقيقة ٠ أية حقيقة ؟ حقيقة اننا جميعا واحد ، واننا جميعا ومعا نخلق الها ، وان الله ليس سلف الانسان بل حفيده ٠<br /><br />كان اليونانيون ، وهم محصنون في حصن ابولو ، يكافحون في البدء لاقامة حاجز في وجه هذه القوى الديونيزوسية المنفلتة من عقالها والتي كانت تأتي عبر الطرق البحرية والبرية لتلقي بنفسها على الأرض اليونانية ٠ لكنهم كانوا عاجزين عن ترويض ديونيزوس ترويضا كامالا ٠ والتقى الالهان في منازلة دون ان يتمكن أحدهما من اخضاع الآخر فأصبحا صديقين وخلقا المأساة ٠<br /><br />تحررت الطقوس الديونيزوسية من وحشيتها ، وغسلتها رقة الحلم المضبوطة ، وكللتها بالبهاء ٠ غير أن ديونيزوس ظل البطل الدائم والوحيد للمأساة ٠ إن أبطال المأساة وبطلاتها جميعا هم ببساطة أقنعة للإله — هم ابتسامات ودموع ملطفة تتألق بالعظمة الأبولونية ٠<br /><br />ثم تلاشت المأساة اليونانية بغتة ٠ اغتالها التحليل المنطقي ٠ قام سقراط ، بجدلياته ، بقتل الرصانة الأبولونية والثمالة الديونيزوسية ٠ وانحطت المأساة على يدي يوربيديس إلى مستوى بشري بدلا من العاطغة الإلهية ، وإلى موعظة سوفسطائية للدعوة للأفكار الجديدة ٠ فقدت جوهرها المأساوي وتبددت ٠<br /><br />غير أن الثمالة الديو نيزوسية بقيت . وخلدت نفسها في مذاهب سرية، وفي لحظات الفرح العظيمة في حياة الإنسان. وكنت أتساءل عما إذا كانت ستستطيع أن تكسو نفسها مرة أخرى بلحم الفن المقدس. وهل سُتبقي الروح السقراطية - بتعبير آخر: العلم - ديونيزوس في قيوده إلى الأبد؟ أم لعله بعد أن أدرك العقل البشري حدوده يمكن لحضارة جديدة أن تظهر، ويكون سقراط رمزها، سقراط الذي تعلم الموسيقى أخيراً؟<br /><br />حتى ذلك الحين كان المثل الأعلى لحضارتنا هو الباحث الاسكندراني. غير أن التاج الذي على راس العلم بدأ يتقلقل. فالروح الديونيزوسية كانت دائماً تعود إلى الاستيقاظ. .. وأعلنت الموسيقى الألمانية من باخ إلى فاغنر عن مجيئها. بدأ فجر