Home > Author > Naguib Mahfouz >

" أهل الهوى:

كثيرون يعيشون بجراح دفينة حفرتها في قلوبهم أظافر المرأة. حظي من حظي منهم بالعشق حين جادت به , وتجرعوا الهجر حين هجرت . وعند ظهور فتى جديد يختال في أبهة النصر , يتعزون عن الأسى بتربص النهاية المحتومة. إنها دائما تتربص هناك , لا دافع لها ولا مهرب منها.
---
إنها ترغب في امتلاك الشاب وتخاف تمرده , وعلمتها حياتها أن القليل من الدين مفيد , أما الكثير منه فينذر بالخطورة والغم.
---
لو كان الحب ذا سياسة أخرى .. لو أن السعادة لا يجرفها تيار الذكريات ..
---
وإذن فجميع مظاهر السرور في الحارة ما هي إلا قشور , أما الحقيقة فهي أنها تعيش في جو يموج بالخوف والحقد , تهدده في كل حين الذئاب والعفاريت , وتنحسر في الوقت ذاته عن ساعات لذة عابرة ... أهذه هي نعمة الله حقا أم أنه خيال يشعله الحسد والحقد؟!
---
لا خوف من حقد مصدره العجز.
---
لا يملك إنسان ما يستحق أن يحسد عليه حقا.

..........
من فضلك وإحسانك:

عجب من فراغ الوجود من كل شيء إلا نبض الألم في أعماقه...
ما هذا الفراغ وما هذا الألم ... كيف ننقذ حياتنا من العدم؟!...
لم يجد نفسه في هذا المقام الحائر نتيجة لثورة أو فكر , ولكنه وجد نفسه في خضمه بتلقائية من لا يملك ذخيرة أو تراثا.
---

- وماذا بعد المعاش المستقر السعيد؟!
- يجري علينا ما جرى على الناس منذ آدم.
- معنى ذلك أنه لا يوجد معنى يستحق أن نعيش من أجله.

---
وإن يكن الناس يتساوون في الموت , فإنهم لا يتساوون في الحياة ولا في الذكر.
---
هل يقدم على الانحراف إن وعده بتحقيق الآمال ؟ وراح يتفحص أعماقه بصدق وصراحة . وتبين له أنه لا يملك مناعة ضد الانحراف في ذاته , ولكنه جبانا يؤثر السلامة.
---
لن يخدعه نقد المنحرفين , إذا حيل بينهم وبين الانحراف.

.........
قسمتي ونصيبي:

أدرك من اللحظة الأولى أنه سيعيش نصف حي ونصف ميت . وأن الحرية التي حظي بها , والتي طالما تمناها , ليست إلا وهما , وأنها نصف موت أو موت كامل . أجل قرر أن يهب نفسه للعمل طيلة الوقت بعد أن زال العائق ولكنه اكتشف أنه شخص جديد آخر. ولد الشخص الجديد فجأة وبلا تدرج . شخص فتر حماسه , وجفت ينابيعه , وتلاشت همته , وخمد ذوقه. شخص جفا الحياة والعبادة والمسرات اليومية البريئة. شخص يعيش تحت سماء ماجت بالغبار فلا زرقة ولا سحب ولا نجوم ولا أفق ..

..........
رأيت فيما يرى النائم:

... عدوت منها , ولكني عدوت في مجالها وحضنها وقبضتها , فلا منفذ للهرب ولا صبر على التوقف والاستسلام ... وتبين لي أنني لست الوحيد في المأزق , وأن ملايين يلهثون من العدو , وأن السحب تركض أيضا والرياح وأضواء النجوم . وارتفع صوتا قائلا : رفهوا عن أنفسكم بالغناء.
---
المكان هو المكان , والمنظر هو المنظر , ولكن أين الوجوه أين؟! . أمسك الزمن بقلمه ونقش على صفحاتها تجاعيد. وبث في مجاريها ذبوله. وامتص بنهمه النضارة والرونق . وفي مواضع المصابيح الكهربائية , حلت شموع تحترق فلم يبق من قاماتها الرشيقة إلا أنصاف وأرباع.
---
كيف نحسن التفكير ونحن نركض بهذه السرعة؟!
---
11- رأيت فيما يرى النائم .. أنني حزين وقلبي ثقيل ولكنني لا أعرف سببا معيناً لحالي. وسرت في طريق مجهول حتى أرهقني السير. وشعرت طوال الوقت بأنني أسعى وراء غاية لكنها غابت عن وعيي أو غاب عنها وعيي. وتبرق لحظة خاطفة في غياهب نفسي مغررة بي فأتوهم أنني مكتشفها ولكنها سرعان ما تغوص في الظلام مخلفة يأساً. ودوما لا أكف عن التطلع والانخداع واليأس ولا أكف عن السير، وصحبني الحزن مع خطاي، وانثالت عليّ صور متلاحقة سريعة هامسة بذكريات الهناء الراحل والأحبة الذاهبين . وأذهلتني كثرتها كما أذهلني عدمها . وقعقع الرعد حتى ارتعشت أطرافي ، لكنه قال بصوت واضح :
- سوف تنقشع الأحزان وينهمر المطر .

---
وضاق صدري بفساد الجو والزمن , فتمردت على حرصي , وأقبلت أنزع الأوسمة والهدايا من أركان جسدي , وأركل المتاع يمنة ويسرة , حتى شققت لنفسي طريقا إلى الخارج. وتنفست بعمق , فأذهلتني خفة وزني. "

Naguib Mahfouz , رأيت فيما يرى النائم


Image for Quotes

Naguib Mahfouz quote : أهل الهوى:<br /><br />كثيرون يعيشون بجراح دفينة حفرتها في قلوبهم أظافر المرأة. حظي من حظي منهم بالعشق حين جادت به , وتجرعوا الهجر حين هجرت . وعند ظهور فتى جديد يختال في أبهة النصر , يتعزون عن الأسى بتربص النهاية المحتومة. إنها دائما تتربص هناك , لا دافع لها ولا مهرب منها.<br />---<br />إنها ترغب في امتلاك الشاب وتخاف تمرده , وعلمتها حياتها أن القليل من الدين مفيد , أما الكثير منه فينذر بالخطورة والغم.<br />---<br />لو كان الحب ذا سياسة أخرى .. لو أن السعادة لا يجرفها تيار الذكريات ..<br />---<br />وإذن فجميع مظاهر السرور في الحارة ما هي إلا قشور , أما الحقيقة فهي أنها تعيش في جو يموج بالخوف والحقد , تهدده في كل حين الذئاب والعفاريت , وتنحسر في الوقت ذاته عن ساعات لذة عابرة ... أهذه هي نعمة الله حقا أم أنه خيال يشعله الحسد والحقد؟!<br />---<br />لا خوف من حقد مصدره العجز.<br />---<br />لا يملك إنسان ما يستحق أن يحسد عليه حقا.<br /><br />..........<br />من فضلك وإحسانك:<br /><br />عجب من فراغ الوجود من كل شيء إلا نبض الألم في أعماقه...<br />ما هذا الفراغ وما هذا الألم ... كيف ننقذ حياتنا من العدم؟!...<br /> لم يجد نفسه في هذا المقام الحائر نتيجة لثورة أو فكر , ولكنه وجد نفسه في خضمه بتلقائية من لا يملك ذخيرة أو تراثا.<br />---<br /><br />- وماذا بعد المعاش المستقر السعيد؟!<br />- يجري علينا ما جرى على الناس منذ آدم.<br />- معنى ذلك أنه لا يوجد معنى يستحق أن نعيش من أجله.<br /><br />---<br />وإن يكن الناس يتساوون في الموت , فإنهم لا يتساوون في الحياة ولا في الذكر.<br />---<br />هل يقدم على الانحراف إن وعده بتحقيق الآمال ؟ وراح يتفحص أعماقه بصدق وصراحة . وتبين له أنه لا يملك مناعة ضد الانحراف في ذاته , ولكنه جبانا يؤثر السلامة.<br />---<br />لن يخدعه نقد المنحرفين , إذا حيل بينهم وبين الانحراف.<br /><br />.........<br />قسمتي ونصيبي:<br /><br />أدرك من اللحظة الأولى أنه سيعيش نصف حي ونصف ميت . وأن الحرية التي حظي بها , والتي طالما تمناها , ليست إلا وهما , وأنها نصف موت أو موت كامل . أجل قرر أن يهب نفسه للعمل طيلة الوقت بعد أن زال العائق ولكنه اكتشف أنه شخص جديد آخر. ولد الشخص الجديد فجأة وبلا تدرج . شخص فتر حماسه , وجفت ينابيعه , وتلاشت همته , وخمد ذوقه. شخص جفا الحياة والعبادة والمسرات اليومية البريئة. شخص يعيش تحت سماء ماجت بالغبار فلا زرقة ولا سحب ولا نجوم ولا أفق ..<br /><br />..........<br />رأيت فيما يرى النائم:<br /><br />... عدوت منها , ولكني عدوت في مجالها وحضنها وقبضتها , فلا منفذ للهرب ولا صبر على التوقف والاستسلام ... وتبين لي أنني لست الوحيد في المأزق , وأن ملايين يلهثون من العدو , وأن السحب تركض أيضا والرياح وأضواء النجوم . وارتفع صوتا قائلا : رفهوا عن أنفسكم بالغناء.<br />---<br />المكان هو المكان , والمنظر هو المنظر , ولكن أين الوجوه أين؟! . أمسك الزمن بقلمه ونقش على صفحاتها تجاعيد. وبث في مجاريها ذبوله. وامتص بنهمه النضارة والرونق . وفي مواضع المصابيح الكهربائية , حلت شموع تحترق فلم يبق من قاماتها الرشيقة إلا أنصاف وأرباع. <br />---<br />كيف نحسن التفكير ونحن نركض بهذه السرعة؟!<br />---<br />11- رأيت فيما يرى النائم .. أنني حزين وقلبي ثقيل ولكنني لا أعرف سببا معيناً لحالي. وسرت في طريق مجهول حتى أرهقني السير. وشعرت طوال الوقت بأنني أسعى وراء غاية لكنها غابت عن وعيي أو غاب عنها وعيي. وتبرق لحظة خاطفة في غياهب نفسي مغررة بي فأتوهم أنني مكتشفها ولكنها سرعان ما تغوص في الظلام مخلفة يأساً. ودوما لا أكف عن التطلع والانخداع واليأس ولا أكف عن السير، وصحبني الحزن مع خطاي، وانثالت عليّ صور متلاحقة سريعة هامسة بذكريات الهناء الراحل والأحبة الذاهبين . وأذهلتني كثرتها كما أذهلني عدمها . وقعقع الرعد حتى ارتعشت أطرافي ، لكنه قال بصوت واضح :<br />- سوف تنقشع الأحزان وينهمر المطر .<br /><br />---<br />وضاق صدري بفساد الجو والزمن , فتمردت على حرصي , وأقبلت أنزع الأوسمة والهدايا من أركان جسدي , وأركل المتاع يمنة ويسرة , حتى شققت لنفسي طريقا إلى الخارج. وتنفست بعمق , فأذهلتني خفة وزني.